كتاب أثر علل الحديث في اختلاف الفقهاء
أنه لقيه، بل بينهما واسطة)) . (¬1) وقد سبق أن بينت أن ابن الصلاح -رحمه الله-قد مزج بين المرسل الخفي والتدليس، فأدخله في تدليس الاسناد.
وسمي هذا بالخفي لخفائه على كثير من الناس، فهو أشبه بالتدليس؛ لذا اختلف العلماء فيه اختلافا كثيرا (¬2) . ورجح السخاوي تعريف الحافظ ابن حجر فقال: ((بل هو على المعتمد في تعريفه حسبما أشار اليه شيخنا الانقطاع في أي موضع كان من السند بين راويين متعاصرين لم يلتقيا، وكذا لو التقيا، ولم يقع بينهما سماع فهو انقطاع مخصوص يندرج في تعريف من لم يتقيد في المرسل بسقط خاص (¬3)) ) .
وعرفه الزبيدي بقوله: ((والخفي من المرسل ما يرويه عمن عاصره ولم يعرف أنه لقيه)) (¬4)
مثال ذلك:
حديث فاطمة بنت المنذر، عن أم سلمة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحرم من الرضاع الا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام)) (¬5) .
وقد أعل هذا الحديث بالانقطاع (أي: أنه مرسل خفي) بين فاطمة بنت المنذر وأم سلمة لأن فاطمة كانت أسن من زوجها هشام باثني عشر عاما، فكان مولده في سنة 60 ومولد فاطمة في سنة 48، وماتت أم سلمة سنة 59، وفاطمة صغيرة لم تبلغها فكيف تحفظ عنها (¬6) .
وأجيب عن هذا: بأنه لا يلزم انقطاع الحديث من أجل أن فاطمة بنت المنذر لقيت أم سلمة صغيرة، فقد يعقل الصغير أشياء ويحفظها، وقد عقل محمود ابن الربيع المجة، وهو ابن خمس سنين (¬7) .
وسماع من له أحد عشر عاما ممكن صحيح، غير اننا لا نسلم أنها كان عمرها
¬_________
(¬1) نزهة النظر ص45 وأنظر فتح المغيث 3/79.
(¬2) منهج النقد ص286.
(¬3) فتح المغيث 3/85-86.
(¬4) بلغة الأريب ص192.
(¬5) اخرجه الترمذي 3/458 رقم (1152) ، وابن حبان (4224) ، والطبراني في الاوسط (7513) والخطيب في التأريخ 7/55، وقال الترمذي: ((حسن صحيح)) وله شاهد من حديث عبد الله بن الزبير، مرفوعا مختصرا بلفظ: ((لا رضاع الا ما فتق الأمعاء)) أخرجه ابن ماجه 1/626 رقم (1946) من طريق عبد الله بن وهب، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، عن عبد الله بن الزبير، به وهذا سند جيد رجاله ثقات غير ابن لهيعة وهو سيء الحفظ الا في رواية العبادلة، وهذا منها.
(¬6) زاد المعاد 5/585 والكاشف 2/515 بتحقيق الشيخ محمد عوامة.
(¬7) صحيح البخاري 1/29 رقم (77) وقد بوب له البخاري: ((باب متى يصح سماع الصغير))
الصفحة 72
383