كتاب طالب العلم بين أمانة التحمل ومسؤولية الأداء

ولا بأس أن يريح نفسه وقلبه وذهنه وبصره إذا كلّ شيء من ذلك أو ضعف بتنزه وتفرج في المستنزهات بحيث يعود إل ى حاله ولا يضيع عليه زمانه1.
خامساً: أن يترك مصاحبه من كثر لعبه وقلت فكرته، فإن الطباع سراقة وآفة العشرة ضياع العمر بغير فائدة، والذي ينبغي لطالب العلم أن لا يخالط إلا من يفيده أو يستفيد منه.
وإذا احتاج إلى من يصحبه فليكن صاحباً صالحاً، ديناً، تقياً، ورعاً، ذكياً، كثير الخير، قليل الشر، حسن المداراة، قليل المماراة، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه، وإن احتاج واساه، وإن ضجر صبره2.
سادساً: أن يأخذ نفسه بالورع في جميع شأنه ويتحرى الحلال في طعامه وشرابه ولباسه ومسكنه وفي جميع ما يحتاج إليه هو وعياله، ليستنير قلبه، ويصلح لقبول العلم ونوره والنفع به. وعليه أن يقنع من القوت بما تيسر وإن كان يسيراً، ومن اللباس بما يستر مثله وإن كان خَلقاً، فبالصبر على ضيق العيش ينال سعة العلم، ويجمع شمل القلب على مفترقات الآمال فتفجر فيه ينابيع الحكم3.
__________
1 نفس المصدر ص 77-80، بتصرف.
2 نفس المصدر ص 83-84، بتصرف.
3 نفس المصدر ص 71، 75، بتصرف.
المطلب الرّابع: موانع حمل العلم
ليس كل الناس أهل لتحمل العلم فهناك من لا يصلح لحمل العلم وقد ذكر علي بن أبي طالب - رضي الله - عنه أصناف حملة العلم الذين لا يصلحون لحمله وهم أربعة:
أحدهم: من ليس هو بمأمون عليه وهو الذي أوتي ذكاءً وحفظاً، ولكن مع ذلك لم يؤت زكاءً، فهو يتخذ العلم الذي هو آلة الدين آلة للدنيا يستجلبها بها، ويتوصل بالعلم إليها، ويجعل البضاعة التي هي متجرُ الآخرة متجرَ الدنيا، وهذا غير أمين على ما حمله من العلم ولا يجعله الله إماماً فيه قط، فإن الأمين هو الذي لا غرضَ له ولا إرادة لنفسه إلا اتباع الحق وموافقته.
وهذا الصنف الذي قد اتخذ بضاعة الآخرة ومتجرها متجراً للدنيا قد خان الله وخان عباده وخان دينه، فلهذا هو غير مأمون عليه وليس من حملته.

الصفحة 24