كتاب رائد التجديد الإسلامي محمد بن العنابي

والحج عندئذ ليس مجرد أداء للفريضة، ولكنه تعلم وتعليم، وسياحة واطلاع، ومشاركة في كثير من جوانب الحياة السياسية والاقتصادية. فماذا كان نصيب ابن العنابي من كل ذلك خلال حجه؟ هذا ما سيظهر عندما نعالج محتوى كتابه.
أما الآن فحسبنا أن نتتع نشاطه في الجزائر إلى سنة 1830 م وهو تاريخ احتلال فرنسا للجزائر وتاريخ فصل جديد من حياة ابن العنابي. وذلك أن وثائق سنوات 1817 - 1819 م تتحدث عنه كقاضي الأحناف في الجزائر زمن الداي علي خوجة (1232 - 1817) والداي حسين باشا (1233 هـ - 1818 م). فقد جاء في إحدى الوثائق أن ابن العنابي، قاضي الحنفية قد وضع ختمه بتاريخ 1232 هـ (1817 م) ضمن قائمة وزراء وموظفي الداي علي خوجة في رسالة بعث بها الداي إلى السلطان محمود الثاني (¬35) وورد في وثيقة أخرى أن أول قاض حنفي لدى الداي حسين باشا هو محمد بن محمود العنابي (¬36) فإذا عرفنا أن هذا الداي قد تولى سنة 1233 م (1818) وإنه قد ولى قاضيا حنفيا جديدا سنة 1235 و (1820 م) (¬37)، عرفنا أن ابن العنابي قد يكون توجه إلى المشرق خلال سنوات 1235 - 1244 هـ (*).
والمهم هو أن هذه الفترة من حياته ما تزال غامضة. ذلك أننا سنعرف أن كتابه (السعي المحمود) مكتوب سة 1242 هـ (1826 م) وأن اسمه يذكر عندئذ مقرونا بعبارة (نزيل مصر القاهرة) فهل كان مغضوبا عليه سياسيا؟ أو هل ذهب إلى الحج مرة ثانية وأطال الإقامة بالمشرق، وخاصة بمصر التي دفن فيها كل من
¬__________
(¬35) التميمي، بحوث ص260. وقد حدثني الأستان التميمي أنه رأى وثيقة تثبت أن الداي قد أرسل ابن العنابي في مهمة إلى إسطانبول سنة 1817، فإذا صح هذا فإنها قد تكون هي نفس المهمة التي قام بها لدى سلطان المغرب.
(¬36) مذكرات، ص 182. وجاء في (المؤسسات الدينية) لديفوكس أن ابن العنابي كان يومئذ (سنة 1818 - 1820) مفتيا وليس قاضيا.
(¬37) جواخيم فونزليز (مشامير مسلمي مدينة الجزائر) الجزائر، 1886، ص 57. انظر كذلك نور الدين عبد القادر، (صفحات من تاريخ مدينة الجزائر)، الجزائر 1964 م ص 187 - 188.
(*) انظر المدخل الجديد.

الصفحة 36