كتاب رائد التجديد الإسلامي محمد بن العنابي

سنتحدث عن صلته بهم، ولا سيما أسرة بيرم، وكلهم قد أشادوا به واستجازوه ونوهوا بعمله ومدحوه بالنثر والشعر. ويبدو من هذه الكتابات أنه كان معروفا لديهم من قبل. ويهمنا بالدرجة الأولى هنا ما سجلته الوثائق من أن باي تونس عندئذ قد أكرم ابن العنابي وأحاطه بالتبجيل والتعظيم. وقد أضافت هذه الوثاتق أن ابن العنابي كان جديرا بذلك الاعتبار والحظوة فقد جاء في الوثيقة (فتلقاه أمير الوقت بمزيد من الإجلال، وهو بذلك حري، إذ مقامه في العلم كيي ..) (¬40) ويدل هذا النص على مقام ابن العنابي لدى أهل تونس من علماء وأمراء، ومما يلفت النظر أن وثائق تونس لا تذكر اسم ابن العنابي مقرونا بكلمة (مفتي) رغم أنها تصفه بالحافظ والمحقق والعالم ونحو ذلك، كما سنرى.
عاد ابن العنابي إذن إلى الجزائر سنة 1245، أي حوالي سنة واحدة قبل احتلالها من فرنسا ولذلك نجد اسمه يتردد من جديد بعد سنة 1244 (1829). فبعد تولية الشيخ أحمد بن إبراهيم، المذكور سابقا، يأتي المفتون: محمد بن عبد الرحمن بن راسيل (1825 - 1826) وأحمد بن عمر بن مصطفى (سنة 1244 - هـ 1829 م) ومحمد بن محمود (بدون كلمة العنابي وبدون تحديد تاريخ)، ويرد بعده اسم مصطفى أفندي (¬41) (بدون تاريخ أيضا) ثم محمد بن شعبان (سنة 1251 هـ - 1835 م) (¬42) فمتى عاد ابن العنابي بالضبط إلى الجزائر؟ وكيف تولى الإفتاء من جديد؟ وهل تولاه فعلا؟ أسئلة أخرى ليس من السهل الإجابة عليها الآن لعدم توفر المادة. ومما يزيد الأمر تعقيدا أن المؤرخين يذكرون بعض الحوادث التي جرت في الأسابيع الأولى للاحتلال وورد خلالها اسم ابن العنابي (*).
¬__________
(¬40) نفس المصدر.
(¬41) حسب أحد توفيق المدني أنه م مصطفى بن الكبابطي الذي وقعت الكارثة (الاحتلال) في عهده، ولكن المعروف أن هذا كان مفتي المالكية وأنه هو الذي نفاه الفرنسيون سنة 1843 وليس وقت الاحتلال. انظر (مذكرات) ص 183.
(¬42) انظر نور الدين، ص 187 - 188، وقونزاليز، ص 57 وكذلك (مذكرات) ص (182). (*) انظر المدخل الجديد.

الصفحة 38