كتاب رائد التجديد الإسلامي محمد بن العنابي

على حدة، اقتداء بسيرة الرسول الذي صنف جيشه (أصنافا مصنفة، كل قبيلة متميزة عن غيرها). وإلى هنا يمكن أخذ كلام المؤلف على أنه رواية تاريخية قابلة للمناقشة. ولكنه يتدخل في الأمر مرجحا هذه الطريقة في الربع الأول من القرن التاسع عشر، الذي كانت فيه الشعوب الأروبية خاصة تعلن عن نهاية عصر القبيلة والإقطاع وإقامة كيانات على أساس (القومية) التي تذوب فيها جميع عناصر شعب من الشعوب، ولا سيما إذا كان الأمر يتعلق بخطر خارجى يحدق بهذه القومية. ومما يلفت النظر أن ابن العنابي يقيم دعوته هذه على التجربة الشخصية، قائلا (وذلك (أي التصنيف حسب القبيلة) ما لا يخفى على من جرب). ولكن إذا تذكرنا الظرف الذي كان يكتب قيه ابن العنابي، ووضع العالم الإسلامي عندئذ، وشيوع الإقطاع والقبيلة وما إليها، عذرناه فيما ذهب إليه. وفى تدخله الشخصي في هذا الموضوع قال (وهذا (يعني التصنيف حسب القبيلة) ما يقتضيه حسن السياسة في تدبير أمر الجند، تحرزا من الاختلاف وافتراق الكلمة، لما في خلط الفرق المختلفة من تعريضهم لثورات الفتنة بينهم، وبسبب اختلاف طباعهم وميل كل فريق لمن انتسب إليه بمقتضى الطبع البشري، وإفراد بعضهم عن بعض أدعى للألفة وحسن العشرة، لأن بناهما على اتحاد الطبع وتقاربه، ولاتحاد الوطن والحال أثر عظيم في ذلك. وذلك ما لا يخفى على من جرب) (¬22).
ويسير على نفس النسق في ضبط عدد الجند وقواده وتسويمه (¬23)، ولكنه يختصر الكلام اختصارا، ولا يكاد يأتي حول هذه الموضوعات بجديد. وقد رتب عدد الجند على نماذج من غزوتي أحد وبدر، ناقلا للحديث الشريف (خير الصحابة أربعة، وخير الرايات أربعمائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولا يهزم اثنى عشر ألفا من قلة). وقد تحدث عن الطاقة واتفاق الكلمة في الجيش باعتبارهما شرطا لمواصلة الجهاد. ويكتفي في كل ذلك بالنقول ولا نكاد ظفر له
¬__________
(¬22) نفس المصدر، ص 23 - 24.
(¬23) نفس المصدر، فصول 4، 5، 6.

الصفحة 69