كتاب نيل الابتهاج بتطريز الديباج

فأرفعُ قدرًا ثمّ أخفضُ رتبةً ... لأرفعَ مقدارًا بأرفعِ حكمتي
وأعزلُ قومًا ثم أودي سواهم ... وأُعلي منارَ البعضِ فوقَ المنصةِ
وأَجبُرُ مكسورًا وأشهرُ خاملًا ... وأرفعُ مقدارًا بأرفعِ همتي
وأقْهَرُ جَبَّارًا وأدْحَضُ ظالما ... وأنظرُ مظلومًا بسلطانِ سطوتي
وألهمتُ أسرارًا وأُعطيتُ حكمةً ... وحزتُ مقاماتِ العُلَا المستنيرةِ
أنا لمريدي جامعٌ لشتاتِهِ ... إذا ما سَطَا جورُ الزمانِ بنكبةِ
وإن كنتَ في كربٍ وضيقٍ ووحشةٍ ... فنادِ أيا زروقُ، آتِ بسرعةِ
فكم كربةٍ تُجلى بمكنونِ عِزِّنَا ... وَكَمْ طرفةٍ تُجنى بأفرادِ صحبتي
ومن كلامه -رحمه اللَّه- في بعض رسائله: طفت مشارق الأرض ومغاربها في طلب الحق واستعملت جميع الأسباب المذكورة في معالجة النفس بقدر الإمكان في مرضاة الحق، فما طلبت قرب الحق بشيء إلا كان مبعدي ولا عملت في معالجتها بشيء إلا كان لها معينًا، ولا توجهت لإرضاء الخلق إلا كان غير موف بالمقصود، ففزعت إلى اللجأ إليه -عَزَّ وَجَلَّ- في الجميع فخرجت بفضل ذلك علة رؤية الأسباب ففزعت إلى الاستسلام فخرج لي منه رؤية وجودي وهو رأس العلل فطرحت نفسي بين يدي الحق -سبحانه- طرحًا لا يصحبه حول ولا قوة فصح عندي أن السلامة من كل شيء بالتبري من كل شيء، والغنيمة من كل شيء بالرجوع إلى اللَّه في كل شيء اعتبارًا بالحكمة والقدرة وقيامًا مع الطباع بشواهد الانطباع، ولما يرد منه تعالى أمرًا ونهيًا وخيرًا وقهرًا وعبودية لا تصحبها رؤية، ورؤية لا يصحبها اعتماد واتساعًا لا يصحبه ضيق، وضيقًا لا يصحبه اتساع ممتثلًا في ذلك قول القائل:
قَدْ كُنتُ أحسبُ أنَّ وصلَكَ يُشْتَرَى ... بنفائِسِ الأموالِ والأرباحِ
وظننتُ جهلًا أن حبِّك هيِّنٌ ... تُفنى عليه كرائمُ الأرواحِ
حتى رأيتُكَ تجتبي وتخصُّ من ... تختارُهُ بلطائفِ الأمناحِ
فعلمتُ أنك لا تُنالُ بحيلةٍ ... فلويتُ رأسي تحت طيِّ جناحِي
وجعلتُ في عشِّ الغرام إقامتي ... فيهِ غدوِّي دائمًا ورواحي

الصفحة 133