كتاب نيل الابتهاج بتطريز الديباج

تقطر من جبينه من شدة الحرّ، ثم أخرج لي خبز شعير غير منخول وملحًا جريشًا، ثم خرجت من عنده فتركته جالسًا على التراب إذ لم يكن عنده ما يفترش، ولا ما يتخفف به من فيح الحر، ثم قصدت زيارة ابن البنا بالريحانة أو قال بدرب الريحانة، فلما نقرت الباب وإذا (¬1) بجارية خماسية قالت لي: من تكون؟ قلت لها: قولي الشيخ الكومي، فأعلمته فأذن لي بالدخول عنده فوجدته في قبة رياضه التي أحدثها بمراكش عليه ثوب كتان من عمل تونس، وفي القبة مخايد (¬2) وعليها حجاب حسن، فسلمت عليه وجلست فأشار للخادم فأتى بآنية سكّر وأخرى بطيخ فقال لي: ادنُ فقلت في نفسي سبحان اللَّه كيف تركت البقوري وكيف وجدت هذا؟ فقال لي: اسكت ودع الفضول، لو كان البقوري في مقامي هذا وأنا في مقامه لاختل حال كل واحد منا، وحدثني بهذه الحكاية شيخنا أبو العباس الشماع المراكشي- اهـ -ملخصًا.
وذكر ابن الأحمر أنه توفى سنة إحدى وعشرين، ومن نظمه كما ذكر أبو عبد اللَّه الحضرمي عن شيوخه عنه قوله:
قَصَدْتُ إلى الوَجَازَةِ في كلامي ... لعلمي بالصوابِ في الاختصارِ
ولم أحذر فُهُومًا دونَ فهمي ... ولكنْ خِفْتُ إزراءَ الكِبَارِ
فشأنُ فحولةِ العلماءِ شأني ... وشأنُ البَسْطِ تعليمُ الصغارِ

فائدة:
قال بعض المغربيين: القراءة تصحيح المتن وتبين ما أشكل وتتميم ما نقص، وما زاد عليه فضرره على المتعلم أكثر من نفعه- اهـ.
من الفهرست الحضرمية: رأيت في بعض التقاييد أن من كرامات صاحب الترجمة أن خديمه عدا عليه شرطي فضربه فقتله، فلما رأى ذلك عمل ما عمل من هندسته فإذا بالشرطي مصروعًا قتيلًا. فأُخرجا معًا في ساعةٍ واحدة، وقد بلغ الغاية في دينه ودنياه النهاية، رحمه اللَّه تعالى، ومن تآليفه
¬__________
(¬1) كذا في الطبعة المصرية. والصواب: فإذا وهي للفجاءة.
(¬2) يريد جمع مخَدّة وهو خطأ والصواب: مخادٌ. أما الوسادة فتجمع على وسائد ووسادات.

الصفحة 89