كتاب قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني

توضِّحان فسادَ مذهب المعتزلة في باب القضاء والقدر، فقال: "ولَمَّا تناظر أبو إسحاق الإسفرائينِي مع عبد الجبار المعتزلي، قال عبد الجبار: سبحان مَن تنَزَّه عن الفحشاء، وقصْدُه أنَّ المعاصي كالسرقة والزنى بمشيئة العبد دون مشيئة الله؛ لأنَّ الله أعلَى وأجَلُّ من أن يشاء القبائح في زعمهم، فقال أبو إسحاق: كلمةُ حقٍّ أُريد بها باطل، ثم قال: سبحان مَن لا يقع في ملكه إلاَّ ما يشاء، فقال عبد الجبار: أتراه يخلقه ويُعاقبُنِي عليه؟ فقال أبو إسحاق: أتراك تفعله جبراً عليه؟ أأنتَ الرَّب وهو العبد؟! فقال عبد الجبار: أرأيتَ إن دعانِي إلى الهُدى، وقضى عليَّ بالرَدَى، أتراه أحسن إليَّ أم أساء؟ فقال أبو إسحاق: إن كان الذي منعك منه مُلكاً لك فقد أساء، وإن كان له: فإن أعطاك ففضل، وإن منعك فعدل، فبُهت عبد الجبار، وقال الحاضرون: والله! ما لهذا جواب!
وجاء أعرابِيٌّ إلى عمرو بن عُبيد وقال: ادعُ اللهَ لي أن يرُدَّ عليَّ حمارةً سُرقت منِّي، فقال: اللَّهمَّ إنَّ حمارتَه سُرقت ولَم تُرِدْ سرقتَها فاردُدْها عليه، فقال الأعرابِيُّ: يا هذا! كُفَّ عنِّي دُعاءَك الخبيث؛ إن كانت سُرقَت ولَم يُرِدْ سرقتَها، فقد يريد رَدَّها ولا تُرَدُّ".
13 قوله: "الباعثُ الرُّسُل إليهِم لإقَامَةِ الحُجَّةِ عَلَيهم".
1 أعظمُ نعم الله على عباده أن أرسل إليهم رسُلاً وأنزل كتُباً؛ لهدايتهم إلى الصراط المستقيم، وإخراجهم من الظلمات إلى النور بإذن ربِّهم، وإقامة الحجَّة عليهم، قال الله عزَّ وجلَّ: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا

الصفحة 108