كتاب قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني
الصَّالِحِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلّاً فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} ، والباقون: محمد وآدم وهود وشعيب وصالح وذو الكفل وإدريس.
والواجب هو الإيمان بالرُّسل والأنبياء جميعاً مَن قُصَّ ومَن لم يُقصَّ، ومَن كذَّب واحداً منهم فقد كذَّب جميعَهم، قال الله عزَّ وجلَّ: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} ، {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ} ، {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ} ، {كَذَّبَ أَصْحَابُ لْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ} فقد كذَّبت كلُّ أمَّة رسولَها، وأضاف إليها تكذيب المرسلين؛ لأنَّ تكذيبَ واحد منهم تكذيبٌ لجميعهم، ومَن آمن برسول وكذَّب بغيره فهو مُكذِّبٌ بذلك الرسول الذي يزعم أنَّه آمن به.
4 وأمَّا الفرق بين النَّبِيِّ والرسول فقد اشتهر أنَّ النَّبِيَّ هو مَن أُوحي إليه بشرع ولم يُؤمَر بتبليغه، والرسولَ هو مَن أُوحي إليه بشرع وأُمر بتبليغه، لكن هذا التفريق قد جاء في بعض الأدلَّة ما يدلُّ على عدم صحَّته، قال الله عزَّ وجلَّ: {وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَ} ، وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} ، وذلك يدلُّ على أنَّ النَّبِيَّ مرسَلٌ مأمورٌ بالتبليغ، وقال: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ} الآية، فهذه الآيةُ تدلُّ على أنَّ أنبياءَ بنِي إسرائيل من بعد موسى يَحكمون بالتوراة ويدعون إليها، وعلى هذا فيُمكن أن يُقال في الفرق بين الرسول والنَّبِيِّ: إنَّ الرَّسولَ مَن أُوحي إليه بشرع وأُنزل عليه كتاب، والنَّبِيَّ هو الذي أُوحي إليه بأن يُبلِّغ رسالةً سابقة، وهذا هو المتَّفق مع الأدلَّة، لكن يبقى
الصفحة 110
193