كتاب قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني

كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} .
وقوله: "وأنزَلَ عَليه كتابَه الحَكِيمَ، وشَرَحَ به دينَه القَويمَ"، قال الله عزَّ وجلَّ: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً} ، فهذه الآية تدلُّ على أنَّ القرآنَ مُهيمنٌ على الكتب السابقة، وسنَّة رسول الله شارحةٌ للكتاب وموضِّحة له، كما قال الله عزَّ وجلَّ: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} ، ولا بدَّ من العمل بما جاء في الكتاب والسُّنَّة، ومن كفر بالسُّنَّة فقد كفر بالقرآن، والله عزَّ وجلَّ فرض الصلوات الخمس والزكاة والصيام والحج، وبيانُها وبيان غيرها حصل بالسُّنَّة، فالله قد أمر بإقام الصلاة، وبيَّنت السُّنَّة أوقاتَ تلك الصلوات وعدد ركعاتها، وبيَّنت كيفياتها، وقال صلى الله عليه وسلم: "صلُّوا كما رأيتُمونِي أُصلِّي" رواه البخاري (631) .
وأمر بإيتاء الزكاة، وبيَّنت السُّنَّة شروطَ وجوبها، وأنصباءها ومقاديرها، وأمر بالصيام، وبيَّنت السُّنَّة أحكامَه ومُفطِّراته.
وأمر بالحجِّ، وبيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم كيفياته، وقال: "لتأخذوا مناسككم، فإنِّي لا أدري لعلِّي لا أحجُّ بعد حَجَّتِي هذه" رواه مسلم (1297) .
وقوله: "وهدى به الصراطَ المستقيم"، قال الله عزَّ وجلَّ: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ، وقال: {وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ، وقال الله عزَّ وجلَّ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ، فسبيلُ الهداية مقصورٌ على اتِّباع النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا يُعبَدُ اللهُ إلاَّ بما جاء به رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، ولا طريق يُوصلُ إلى الله إلاَّ باتِّباع ما جاء به صلى الله عليه وسلم.

الصفحة 113