كتاب قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني
ترجمة مختصرة لابن أبي زيد القيرواني
هو عبد الله أبو محمد بن أبي زيد، واسم أبي زيد عبد الرحمن، سكن القيروان، وكان إمامَ المالكية في وقته وقُدوتَهم، وجامعَ مذهب مالك، وشارحَ أقواله، وكان واسعَ العلم كثيرَ الحفظ والرواية، وكُتُبُه تشهدُ له بذلك، فصيحَ القلم، ذا بيان ومعرفة بما يقوله، بصيراً بالردِّ على أهل الأهواء، يقول الشِّعرَ ويُجيدُه، ويجمع إلى ذلك صلاحاً تامًّا وورعاً وعفَّةً، وحاز رئاسةَ الدِّين والدنيا، وإليه كانت الرِّحلةُ من الأقطار، ونجب أصحابُه وكَثُر الآخذون عنه.
وعرف قدرَه الأكابرُ، وكان يُعرف بمالك الصغير، قال فيه القابسي: "هو إمامٌ موثوقٌ به في ديانته وروايته"، واجتمع فيه العلمُ والورعُ والفضلُ والعقل، شُهرته تُغنِي عن ذِكره، وكان سريعَ الانقياد والرجوع إلى الحقِّ، تفقَّه بفقهاء بلده وسمع من شيوخها، وعوَّل على أبي بكر بن اللباد وأبي الفضل القيسي، وسمع منه خلقٌ كثيرٌ وتفقَّه به جلَّة، وكانت وفاته سنة (386 هـ) ، له كتاب النوادر والزيادات على المدونة، مشهور أزيد من مائة جزء، وكتاب مختصر المدونة مشهور أيضاً، وعلى كتابيه هذين المعوَّل في التفقه، وله الرسالة، وغيرها من المؤلَّفات الكثيرة المذكورة في الديباج المذهب لابن فرحون المالكي (ص: 136 – 138) .
وكلُّ ما مرَّ منقول باختصار من هذا الكتاب، قال فيه الذهبي في أوَّل ترجمته في سير أعلام النبلاء (17/10) : "الإمام العلاَّمةُ القُدوة الفقيه، عالم أهل المغرب".
وقال في آخرها: "وكان – رحمه الله – على طريقة السلف في الأصول، لا يدري الكلامَ ولا يتأوَّل، فنسأل الله التوفيق".
وانظر تخريجه وشواهدَه في تعليق الشيخ شعيب الأرنؤوط وغيره على هذا الحديث في حاشية المسند.
وروى البخاري في صحيحه (5063) ، ومسلم في صحيحه (1401) عن أنس في حديث طويل، آخره: "فمَن رغب عن سُنَّتِي فليس منِّي".
وإنَّما كانت عقيدةُ أهل السنَّة والجماعة مبنيَّةً على الكتاب والسنَّة؛ لأنَّ ما يُعتقد هو من علم الغيب، ولا يُمكن معرفة ذلك إلاَّ بالوحي كتاباً وسنَّة.
وما جاء في الكتاب العزيز وثبت في السُنَّة فإنَّ العقلَ السليم يُوافقه ولا يُعارضه، ولشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله – كتاب واسع اسمه: درء تعارض العقل والنقل.
والمعوَّل عليه في فهم النصوص ما كان عليه أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وما جاء عنهم من الفهم الصائب والعلم النافع، وقد فهموا معاني ما خوطبوا به من صفات الله عزَّ وجلَّ؛ لأنَّ الكتاب والسُّنَّة بلغتهم، مع تفويضهم علم كيفياتها إلى الله عزَّ وجلَّ؛ لأنَّ ذلك من الغيب الذي لا يعلمه إلاَّ هو سبحانه، كما جاء عن الإمام مالك بن أنس في بيان هذا المنهج الصحيح، حيث قال عندما سُئل عن كيفية الاستواء: "الاستواءُ معلومٌ، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة".
وقد أوضح ما كان عليه الصحابةُ في صفات الله عزَّ وجلَّ الشيخ أبو العباس أحمد بن علي المقريزي المتوفى سنة (845 هـ) في كتابه المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (2/356) ، فقال: "ذِكْرُ الحال في عقائد أهل الإسلام منذ ابتداء الملَّة الإسلامية إلى أن انتشر مذهب الأشعرية: اعلم
الصفحة 13
193