كتاب قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني
وأمَّا تجهيله لهم، فذلك بنسبتهم إلى الجهل، وأنَّهم لا يفهمون معاني ما خوطبوا به، إذ طريقتُهم على زعمه في الصفات أنَّهم يقولون: الله أعلم بمراده بها.
وأمَّا الكذب عليهم، فإنَّما هو بنسبة هذا المذهب الباطل إليهم، وهم برآءُ منه.
الفائدة السادسة: كلٌّ من المشبِّهة والمعطِّلة جمعوا بين التمثيل والتعطيل
المعطِّلةُ هم الذين نفوا صفات الله عزَّ وجلَّ، ولم يُثبتوها على ما يليق بالله، وشُبهتُهم أنَّ إثبات الصفات يستلزم التشبيه؛ لأنَّهم لَم يتصوَّروا الصفات إلاَّ وفقاً لِما هو مشاهَد في المخلوقين، فجرَّهم ذلك التصوَّرُ الخاطئ إلى التعطيل، فكان ما وقعوا فيه أسوأَ مِمَّا فرُّوا منه؛ إذ كانت النتيجة أن يكون الله تعالى وتنَزَّه شبيهاً بالمعدومات؛ إذ لا يُتصوَّرُ وجود ذات خالية من الصفات.
ويتَّضح ذلك في صفة كلام الله عزَّ وجلَّ، فإنَّهم لم يتصوَّروا من إثبات أنَّ الله يتكلَّم بحرف وصوت إلاَّ التشبيه بالمخلوقين؛ لأنَّه يلزَمُ من ذلك أن يكون كلامُه بلسان وحُنجرة وشفتين؛ لأنَّهم لا يعقلون ذلك إلاَّ في المخلوقين، وذلك التصوُّرُ الخاطئُ مردودٌ من وجوه:
الأول: أنَّه لا تلازمَ بين الإثبات والتشبيه؛ فإنَّ الإثبات يكون مع التشبيه، وهو باطلٌ لا شكَّ فيه، ويكون مع التنْزيه، كما قال الله عزَّ
الصفحة 28
193