كتاب قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني
وإذا كانت هذه المخلوقات وُجد منها الكلام على وجه يُخالف ما هو مشاهَدٌ في المخلوقين، فإنَّه يجب إثبات الكلام لله عزَّ وجلَّ على وجه يليق بكماله وجلاله، دون أن يكون مشابهاً لأحد من خلقه.
وبهذا يتبيَّن أنَّ المعطِّلةَ جمعوا إلى التعطيل التشبيه، وأمَّا المشبِّهة فإنَّهم أثبتوا الصفات لله عزَّ وجلَّ، لكن جعلوه فيها مشابهاً للمخلوقات، وقد أضافوا إلى كونهم مشبِّهةً التعطيلَ، وذلك أنَّهم لم يُثبتوا الصفات على وجه يليق بالله عزَّ وجلَّ، وبذلك كانوا معطِّلة.
الفائدة السابعة: متكلِّمون يَذمُّون علمَ الكلام ويُظهرون الحَيرة والنَّدم
عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة مبنيَّةٌ على الدليل من كتاب الله عزَّ وجلَّ وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه صحابتُه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، فهي صافيةٌ نقيَّةٌ، واضحةٌ جليَّة، ليس فيها غموض ولا تعقيد، بخلاف غيرهم الذين عوَّلوا على العقول، وتأوَّلوا النقول، وبنَوا معتقداتهم على علم الكلام المذموم، الذي بيَّن أهلُه الذين ابتُلوا به ما فيه من أضرار، وندموا على ما حَصَلَ منهم من شغل الأوقات فيه من غير أن يظفروا بطائل، ولا أن يصلوا إلى حقٍّ، وفي نهاية أمرهم صاروا إلى الحيرة والنَّدَم، فمنهم من وُفِّق لتركه واتِّباع طريقة السَّلف، وجاء عنهم عيبُ علم الكلام وذمُّه.
فأبو حامد الغزالي – رحمه الله – من المتمكِّنين في علم الكلام، ومع ذلك
الصفحة 30
193