كتاب قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني
فصل في البعث بعد الموت والجزاء
وأنَّ نفخةَ إسرافيلَ ثانية ... في الصُّور حقٌّ فيحيى كلُّ مَن قُبرَا
كما بدا خلقهم ربِّي يُعيدهمُ ... سبحان من أنشأ الأرواحَ والصُّوَرَا
حتى إذا ما دعا للجمع صارخُه ... وكلُّ ميْتٍ من الأموات قد نُشرَا
قال الإلَه: قِفوهم للسؤال لكي ... يقتصَّ مظلُومُهم مِمَّن له قَهَرَا
فيوقَفون ألوفاً من سنينهمُ ... والشمسُ دانيةٌ والرَّشْحُ قد كثُرَا
وجاء ربُّك والأملاكُ قاطبة ... لهم صفوفٌ أحاطت بالورى زُمَرَا
وجيء يومئذ بالنار تسحبُها ... خزانها فأهالت كلَّ مَن نظَرَا
لها زفيرٌ شديدٌ من تغيظها ... على العُصاة وترمي نحوهم شَرَرَا
ويرسل الله صُحفَ الخلق حاويةً ... أعمالَهم كلَّ شيء جلَّ أو صغُرَا
فمَن تلقَّته باليمنى صحيفتُه ... فهْو السَّعيد الذي بالفوز قد ظفرَا
ومن يكن باليد اليسرى تناولُها ... دعا ثُبوراً وللنيران قد حُشرَا
ووزنُ أعمالهم حقٌّ فإن ثقلت ... بالخير فاز وإن خفَّت فقد خسرَا
وأنَّ بالمثل تُجزى السيِّئات كما ... يكون في الحسنات الضِّعف قد وفرَا
وكلُّ ذنب سوى الإشراكِ يغفرُه ... ربِّي لِمَن شا وليس الشركُ مُغتَفرَا
وجنَّة الخُلد لا تفنى وساكنُها ... مخلَّدٌ ليس يخشى الموتَ والكبرَا
أعدَّها اللهُ داراً للخلود لِمَن ... يخشى الإلَهَ وللنَّعماء قد شَكَرَا
وينظرون إلى وجه الإلَه بها ... كما يرى الناسُ شمسَ الظهر والقمَرَا
كذلك النارُ لا تفنى وساكنُها ... أعدَّها الله مولانا لِمَن كَفَرَا
الصفحة 52
193