كتاب قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني
محمد صلى الله عليه وسلم أو مفتتحو باب ضلالة؟! قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن! ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه". وهذا الأثر أورده الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم: 2005) .
وقول ابن أبي زيد رحمه الله: "أنَّ الله إله واحد لا إله غيره" هو معنى كلمة الإخلاص (لا إله إلاَّ الله) ، وهي مشتملةٌ على نفي عام وإثبات خاص، فالنَّفيُ العام نفيُ العبادة عن كلِّ مَن سوى الله، والإثباتُ الخاص إثباتُها لله وحده، و (لا) نافيةٌ للجنس، وخبرها محذوفٌ تقديرُه: حقٌّ، والمقصودُ نفيُ وجود إله بحق سوى الله، وإلاَّ فإنَّ الآلهةَ بالباطل موجودةٌ وكثيرةٌ، وقد ذكر الله عن الكفار أنَّهم قالوا: {جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} .
والجملةُ الأولَى من جُمل النفي السَّبع في كلام ابن أبي زيد "لا إله غيره" تأكيدٌ لقوله: "أنَّ الله إلهٌ واحدٌ"، وختمها بقوله: "ولا شريك له"؛ لبيان أنَّ العبادةَ يجب أن تكون خالصةً لله، وألاَّ يكون له شريكٌ في أيِّ نوع من أنواع العبادة، والله تعالى واحدٌ في ربوبيَّته، وواحدٌ في ألوهيَّته، وواحدٌ في أسمائه وصفاته، فلَم يُشاركه أحدٌ في ألوهيَّته؛ فهو مستحقٌّ للعبادة دون مَن سواه، ولم يُشاركه أحدٌ في ربوبيَّته، فهو سبحانه وحده الخالقُ المدبِّر، ولم يُشاركه أحد في أسمائه وصفاته؛ لأنَّ المعانِيَ اللاَّئقة بالله لا يُشاركه أحدٌ من خلقه فيها.
وقوله: "ولا شبيه له ولا نظير" أي: أنَّ الله لا مِثْلَ له ولا يُشبهه أحدٌ من خلقه، بل هو المتفرِّدُ بصفاته، قال الله عزَّ وجلَّ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ، قال ابن كثير رحمه الله: "أي ليس كخالق الأزواج كلّها شيء؛ لأنَّه الفردُ الصمد الذي لا نظير له".
الصفحة 61
193