كتاب قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني

قال الله عزَّ وجلَّ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} ، فنفى عنه الوالد والولد، ونفى عنه كلَّ مِثْلٍ ونظير، ومنه الزوجة، وفي هذه السورة الكريمة إثباتُ أحديَّته وصمديَّته، ونفيُ الأصول والفروع والنظراء عنه، فهو أحدٌ لا كُفء له، وهو صَمَدٌ لا ولد ولا والد له، والصَّمدُ هو الذي تصمد إليه الخلائق بحوائجها، وهو الغنِيُّ عن كلِّ مَن سواه، المفتقرُ إليه كلُّ مَن عَدَاه، فلكمال غناه لا يحتاجُ إلى الوالد والولد، ولكونه واحداً أحداً لا يكون أحدٌ له مِثْلاً ونظيراً، والوالد جاء نفيُه في القرآن عن الله في هذه السورة في قوله: {وَلَمْ يُولَدْ} ، وأمَّا الولد فقد جاء نفيُه عن الله في آيات كثيرة، وذلك أنَّ اليهودَ يقولون: عُزيرٌ ابنُ الله، والنصارى يقولون: المسيح ابن الله، والكفار الذين بُعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: الملائكةُ بنات الله، ومن ذلك قول الله عزَّ وجلَّ في البقرة: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} ، وقال في المؤمنون {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} ، وقال في مريم: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً} ، وغير ذلك من الآيات منها في النساء والأنعام والتوبة ويونس والإسراء والكهف والأنبياء والصافات والزخرف والجنّ.
وأمَّا الصاحبة، فقد جاء نفيُها عن الله عزَّ وجلَّ في القرآن مع نفي الولد عنه في قوله عزَّ وجلَّ: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} ، وقوله عن الجنِّ: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً} ، أي: تعالَت عظمتُه.

الصفحة 63