كتاب قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني
هذه الآية في حديث مشتمل على دعاء، وفيه: "اللَّهمَّ أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنتَ الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنتَ الباطن فليس دونك شيء، اقْضِ عنَّا الدَّينَ وأغننا من الفقر" أخرجه مسلم في صحيحه (2713) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
ومعنى قول ابن أبي زيد هذا أنَّ الله لم يسبقه عدمٌ، ولا يلحقه عدم، وأمَّا المخلوقات فلها بداية سبقها عدم، ولها نهاية يلحقها عدم.
وأمَّا ما جاء في نصوص الكتاب والسُّنَّة من بقاء الجنَّة والنار ودوامهما ودوام أهلهما فيهما، فلا يُنافي كونه سبحانه الآخرَ الذي ليس بعده شيء؛ لأنَّ بقاءَه لازمٌ لذاته، بخلاف الجنَّة والنار ومَن فيهما، فإنَّه مكتَسَبٌ قد شاءه الله وأراده، ولو لم يشأه لم يحصل ولم يقع، قال ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية (ص: 629) : "وبقاءُ الجنَّة والنار ليس لذاتهما، بل بإبقاء الله لهما".
وقول ابن أبي زيد: "ليس لأَوَّلِيَّتِهِ ابتداءٌ، ولا لآخِرِيَّتِه انقضَاءٌ" أولَى من قول الطحاوي في عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة: "قديمٌ بلا ابتداء، دائمٌ بلا انتهاء"؛ لتعبيره بما يُطابق اسْمَي الله: الأول والآخر.
3 قوله: "لا يَبْلُغُ كُنْهَ صِفَتِهِ الواصفون، ولاَ يُحيطُ بأمرِه المُتَفَكِّرونَ، يَعتَبِرُ المتفَكِّرونَ بآياته، ولا يَتَفكَّرونَ في مَاهِيَةِ ذاتِه".
أهل السُّنَّة يَصفون اللهَ بما وصف به نفسَه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، على ما يليق به سبحانه وتعالى، مع فهم المعنى والجهل بالكيف، فهُم يُثبتون الصفات ولا يَبحثون عن كيفياتها، وهم مفوِّضةٌ بالكيف دون المعنى، كما
الصفحة 65
193