كتاب قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني
8 قوله: "على العَرشِ اسْتَوى، وعَلى المُلْكِ احْتَوى".
من صفات الله الفعليَّة استواؤه على عرشه، ومذهب السَّلف فيه وفي سائر الصفات إثبات الجميع على ما يليق بالله من غير تكييف أو تمثيل، ومن غير تحريف أو تعطيل، مع فهم المعنى والجهل بالكيفية، كما قال الإمام مالك رحمه الله وقد سُئل عن كيفية الاستواء قال: "الاستواءُ معلومٌ، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة".
قال ابن كثير – رحمه الله – في تفسيره عند تفسير آية الاستواء على العرش من سورة الأعراف، قال: "وأمَّا قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} ، فللنَّاس في هذا المقام مقالاتٌ كثيرةٌ جدًّا ليس هذا موضع بسطها، وإنَّما نسلُكُ في هذا المقام مذهب السَّلف الصالح: مالك والأوزاعي والثوري والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وغيرهم من أئمَّة المسلمين قديماً وحديثاً، وهو إمرارُها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل، والظاهر المتبادر إلى أذهان المُشبِّهين منفيٌّ عن الله؛ فإنَّ اللهَ لا يُشبهه شيءٌ من خلقه، وليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير، بل الأمر كما قال الأئمَّة، منهم نُعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري، قال: مَن شبَّه اللهَ بخلقه كفر، ومن جحدَ ما وصفَ اللهُ به نفسَه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسَه ولا رسولُه تشبيه، فمَن أثبت لله تعالى ما وردت به الآياتُ الصريحةُ والأخبارُ الصحيحةُ على الوجه الذي يليق بجلال الله، ونفى عن الله تعالى النقائصَ، فقد سلك سبيل الهُدى".
وقد جاء إثباتُ استواء الله على عرشه في القرآن في سبعة مواضع، قال الله عزَّ وجلَّ في سورة طه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، وقال: {ثُمَّ
الصفحة 79
193