كتاب قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني

اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} في الأعراف ويونس والرعد والفرقان والسجدة والحديد.
ومعنى {اسْتَوَى} عند السلف: ارتفع وعلاَ، وأمَّا المتكلِّمون فيؤوِّلون {اسْتَوَى} بمعنى استولى، وهو باطل، قال أبو الحسن الأشعري – رحمه الله – في كتابه الإبانة (ص: 86) : "وقد قال قائلون من المعتزلة والجهميّة والحرورية: إنَّ قول الله عزَّ وجلَّ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} أنَّه استولى ومَلَكَ وقَهَر، وأنَّ الله عزَّ وجلَّ في كلِّ مكان، وجَحَدوا أن يكون اللهُ عزَّ وجلَّ على عرشه كما قال أهلُ الحق، وذهبوا في الاستواء إلى القُدرة، ولو كان هذا كما ذكروه كان لا فرق بين العرش والأرض السابعة؛ فالله سبحانه قادرٌ عليها وعلى الحُشوش وعلى كلِّ ما في العالَم، فلو كان اللهُ مستوياً على العرش بمعنى الاستيلاء وهو عزَّ وجلَّ مُستوٍ على الأشياء كلِّها لكان مستوياً على العرش وعلى الأرض وعلى السماء وعلى الحشوش والأقْذار؛ لأنَّه قادرٌ على الأشياء، مُستولٍ عليها، وإذا كان قادراً على الأشياء كلِّها ولَم يَجُز عند أحد من المسلمين أن يقول: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ مستوٍ على الحشوش والأخْلِيَة، لَم يَجُزْ أن يكون الاستواء على العرش الاستيلاء الذي هو عام في الأشياء كلِّها، ووجب أن يكون معناه استواء يختصُّ العرش دون الأشياء كلِّها".
وقد بيَّن ابن القيم بطلانَ تفسير الاستواء بالاستيلاء من اثنين وأربعين وجهاً في كتابه الصواعق المرسلة كما في مختصره لمحمد بن الموصلي (2/126 152) .
ولَمَّا قال ابن أبي زيد – رحمه الله –: "على العرش استوى"، قال

الصفحة 80