كتاب قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني
4 أسماءُ الله عزَّ وجلَّ غيرُ محصورة بعدد؛ فإنَّ منها ما أطلَع اللهُ عزَّ وجلَّ الناسَ عليه، ومنها ما استأثر بعلمه، ويدلُّ لذلك حديثُ ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب أحداً قطُّ هَمٌّ ولا حزن، فقال: اللَّهمَّ إنِّي عبدُك، ابنُ عبدك، ابن أَمَتك، ناصيَتِي بيدك، ماض فِيَّ حكمُك، عدلٌ فِيَّ قضاؤك، أسألك بكلِّ اسم هو لك، سَمَّيتَ به نفسَك، أو علَّمته أحداً من خلقك، أو أنزلتَه في كتابك، أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك، أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبِي، ونورَ صدري، وجلاءَ حزنِي، وذهابَ هَمِّي، إلاَّ أذهب اللهُ هَمَّه وحزنَه، وأبدله مكانه فرَحاً، قال: فقيل: يا رسول الله! ألاَ نتعلَّمُها؟ فقال: بلى! ينبغي لِمَن سَمعَها أن يتعلَّمها" رواه الإمام أحمد في المسند (3712) ، وعلَّق عليه الشيخ شعيب الأرنؤوط وصاحباه بتضعيفه، وقد نقلوا عن الحافظ ابن حجر تحسينَه، وصحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة (198) ، وقد صحَّح هذا الحديث ابنُ القيم، وشرحه شرحاً واسعاً في كتابه شفاء العليل، في الباب السابع والعشرين منه (ص: 369 374) .
والأصلُ عدم حصر الأسماء بعدد معيَّن إلاَّ بدليل يدلُّ على ذلك، ولا أعلم دليلاً يدلُّ عليه، وأمَّا الحديث الذي رواه البخاري (2736، 6410، 7392) ومسلم (2677) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ لله تسعةً وتسعين اسماً، مائة إلاَّ واحدة، مَن أحصاها دخل الجنَّة"، فلا يدلُّ على حصر أسماء الله في هذا العدد، بل يدلُّ على أنَّ من أسماء الله تسعة وتسعين اسماً، من شأنها أنَّ مَن أحصاها دخل الجنَّة، كما لو قال قائل: عندي مائة كتاب أعددتُها لطلبة العلم؛ فإنَّه لا يدلُّ على أنَّه ليس عنده إلاَّ هذا العدد.
الصفحة 84
193