كتاب قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني

12 قوله: "والإيمانُ بالقَدَرِ خَيْرِه وشَرِّه، حُلْوِهِ وَمُرِّهِ، وكلُّ ذلك قَد قَدَّرَهُ اللهُ رَبُّنا، ومقاديرُ الأمورِ بيدِه، ومَصدَرُها عن قضائِه.
عَلِمَ كلَّ شيْءٍ قَبل كَونِه، فجَرَى على قَدَرِه، لا يَكون مِن عبادِه قَولٌ ولا عَمَلٌ إلاَّ وقدْ قَضَاهُ وسبق عِلْمُه به، {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} .
يُضِلُّ مَن يشاء، فيَخْذُلُه بعدْلِه، ويَهدي مَن يَشاء، فَيُوَفِّقُه بفضلِه، فكَلٌّ مُيَسَّرٌ بتَيْسيره إلى ما سَبَقَ مِن علمه وقَدَرِه، مِن شَقِيٍّ أو سعيدٍ.
تعالَى أن يكونَ في مُلْكِهِ ما لا يُريد، أو يكونَ لأَحَد عنه غِنًى خالقاً لكلِّ شيءٍ إلاَّ هو، رَبُّ العباد ورَبُّ أعمالِهم، والمُقَدِّرُ لِحَركاتِهم وآجالِهم".
1 الإيمان بالقدر أحدُ أصول الإيمان الستة المبيَّنة في حديث جبريل المشهور، فإنَّه سأله عن الإيمان، فقال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرِّه" أخرجه مسلم في صحيحه، وهو أوَّل حديث في كتاب الإيمان، الذي هو أوَّل كتب صحيحه، وجاء في إسناده أنَّ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حدَّث به عن أبيه؛ للاستدلال به على الإيمان بالقدر، عندما سأله يحيى بن يَعمر وحميد بن عبد الرحمن الحميري عن أُناس وُجدوا في العراق يُنكرون القدرَ، وأنَّ الأمرَ أُنُفٌ، فقال للسائل: "فإذا لقيتَ أولئك فأخبِرهم أنِّي بريء منهم، وأنَّهم بُرآءُ منِّي، والذي يَحلف به عبد الله بن عمر! لو أنَّ لأحدهم مثل أُحُد ذهباً فأنفقه، ما قَبل الله منه حتَّى يُؤمنَ بالقدر"، ثمَّ حدَّث بالحديث عن أبيه، وحديثُ جبريل عن عمر من أفراد مسلم، وقد اتَّفق الشيخان على إخراجه من

الصفحة 96