كتاب قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني
ميَسَّرٌ، ثمَّ قرأ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} إلى قوله: {لِلْعُسْرَى} " رواه البخاري (4945) ومسلم (2647) من حديث عليّ.
والحديثُ يدلُّ على أنَّ أعمالَ العباد الصالحة مقدَّرَةٌ، وتؤدِّي إلى حصول السعادة وهي مقدَّرَة، وأعمالُهم السيِّئة مقدرَّةٌ، وتؤدِّي إلى الشقاوة وهي مقدَّرةٌ، واللهُ سبحانه وتعالى قدَّر الأسباب والمسبّبات، وكلُّ شيءٍ لا يخرج عن قضاء الله وقدره وخلقه وإيجاده.
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، فقال: يا غلام! إنِّي أُعلِّمُك كلماتٍ: احفظ اللهَ يحْفظْكَ، احفظ الله تجدْه تجاهَك، إذا سألتَ فاسأل اللهَ، وإذا استعنتَ فاستعِن بالله، واعلم أنَّ الأمَّةَ لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلاَّ بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك، ولو اجتمعوا على أن يَضُرُّوك بشيءٍ لَم يضرُّوك إلاَّ بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك، رُفعت الأقلامُ وجفَّت الصُّحُف" رواه الترمذي (2516) ، وقال: "هذا حديثٌ حسن صحيح".
وهذا الحديث شرحه الحافظ ابن رجب في كتابه جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلِم (1/459) ، وهو الحديث التاسع عشر من الأربعين النَّوويّة.
3 الإيمانُ بالقدر له أربعُ مراتب لا بدَّ من اعتقادها:
المرتبةُ الأولى: عِلْمُ الله الأزلِيّ في كلِّ ما هو كائنٌ، فإنَّ كلَّ كائنٍ قد سبق به علمُ الله أزلاً، ولا يتجدَّد له علْمٌ بشيءٍ لَم يكن عالماً به أزلاً، وقد سبق إيضاح هذه المرتبة عند الكلام على صفة علم الله في الفقرة رقم (7) .
الصفحة 98
193