كتاب حصول المأمول بشرح ثلاثة الأصول

وَمَعْنَى {قُمْ فَأَنذِرْ} يُنْذِرُ عَنِ الشِّرْكِ وَيَدْعُو إلى التوحيد، {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} عَظِّمْهُ بِالتَّوْحِيدِ {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} أَيْ: طَهِّرْ أَعْمَالَكَ عَنِ الشِّرْكِ، {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} الرُّجْزَ: الأَصْنَامُ، وَهَجْرُهَا تركها وأهلها والبراءة منها وأهلها. وأخذ عَلَى هَذَا عَشْرَ سِنِينَ يَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ، وَبَعْدَ الْعَشْرِ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ وَفُرِضَتْ عليه الصلوات الخمس.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الدليل على أنه صلى الله عليه وسلم بعث بالإنذار عن الشرك، والدعوة إلى توحيد الله سبحانه وتعالى. وقوله: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} هذه أو آية أرسل بها النبي صلى الله عليه وسلم. وقد ثبت عن جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه: "فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتاً من السماء فرفعت بصري قبل السماء فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض، فجثثت منه حتى هويت إلى الأرض، فجئت إلى أهلي، فقلت: زملوني زملوني؛ فزملوني فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ} إلى {فَاهْجُرْ} قال أبو سلمة: والرجز: الأوثان: ثم حمى الوحي وتتابع1.
وهذه الآيات قد فسر الشيخ أكثرها. وسأذكر تفسيرها بعون الله تعالى.
فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} ، أي: الذي قد تدثر بثيابه، أي: تغشى بها من الرعب الذي حصل له من رؤية الملك كما تقدم. وأصله: المتدثر، فأدغمت التاء في الدال لتجانسها.
" ومعنى {قُمْ فَأَنذِرْ} "، أي انهض فخوف المشركين وحذرهم العذاب
__________
1 أخرجه البخاري "1/27فتح" ومسلم "255""161" وقوله: "فَجُثِثْتُ" بالثاء بمعنى: فزعت, ويجوز: فجُئثت. بهمزة بعد الجيم ثم ثاء مثلثة ثم تاء. والمعنى واحد. انظر: شرحي القاضي عياض "1/49" والنووي "1/564".

الصفحة 162