كتاب حصول المأمول بشرح ثلاثة الأصول

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الصنف الثاني: من لا هجرة عليه وهو العاجز عن الهجرة إما لمرض أو إكراه على الإقامة فلم يستطع الخروج أو ضعف من النساء والولدان وشبههم فهؤلاء لا هجرة عليهم؛ لأن جل وعلا قال: {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} عليه أن يعتزل الكفار ما استطاع ويظهر دينه ويصبر على أذاهم.
الصنف الثالث: من تستحب له الهجرة ولا تجب عليه كما تجب على الصنف الأول، وهذا في حق من يقدر على الهجرة لكنه متمكن من إظهار دينه، فهذا تستحب له الهجرة لأجل أن يتمكن من جهاد الكفار وتكثير المسلمين والتخلص من الكفار ومخالطتهم فهذه ثلاثة أصناف هي أصناف الناس بالنسبة للهجرة1. أما الآية التي ساقها المصنف فمعناها بإيجاز {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ} المراد بالملائكة إما ملك الموت وأعوانه، وإما ملك الموت وحده؛ لأن العرب تخاطب الواحد على بلفظ الجمع. وقوله تعالى: {ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} هذا دليل على وجوب الهجرة كما تقدم. والمعنى: أنهم ظالمون لأنفسهم بتركهم الهجرة. {قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ} هذا استفهام توبيخ وتقريع لهم، والمعنى: في أي فريق كنتم؟ {قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ} يعني: عاجزين لا نستطيع الخروج {قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا} يعني بإمكانكم أن تخرجوا إلى أرض الله الواسعة، والمراد بها في ذلك الزمن: المدينة {فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ
__________
1 انظر: "المغني": "13/151"، و"فتح الباري": "6/190".

الصفحة 172