كتاب حصول المأمول بشرح ثلاثة الأصول

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَصِيراً} هذا وعيد يدل على أن القادر على الهجرة الذي لا يتمكن من إظهار دينه ولم يهاجر أنه قدر ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب؛ لأنه لا يتوعد بمثل هذا الوعيد إلا على ترك أمر واجب وهو الهجرة، فتركها كبيرة من كبائر الذنوب، قال تعالى: {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ} هؤلاء هم الذين لا يستطيعون الخروج {لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً} يعني: لا يقدرون على حيلة، لا على خروج، ولا على نفقة، ولا على من يهيئ أمرهم {وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} يعني: لا يعرفون الطريق، ولا يستطيعون أن يسيروا وحدهم، قال تعالى: {فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوّاً غَفُوراً} ، أي: عسى الله أن يتجاوز عنهم وهم المعذورون بتركهم الهجرة. والآية دليل على وجوب الهجرة وعلى آكديتها. يقول ابن كثير رحمه الله في تفسيره عند هذه الآية: "نزلت هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة وليس متمكناً من إقامة الدين فهو ظالم لنفسه مرتكب حراماً بالإجماع وبنص هذه الآية ... "1.
فلا بد من شرطين: القدرة على الهجرة، وعدم التمكن من إظهار الدين. فمن لم يفعل فهو ظالم لنفسه. يقول الشوكاني رحمه الله: "استدل بهذه الآية على أن الهجرة واجبة على من كان بدار الشرك أو بدار يعمل فيها بمعاصي الله جهاراً ولم يكن من المستضعفين"2ا. هـ.
__________
1 "تفسير ابن كثير": "2/343".
2 "فترح القدير": "1/505".

الصفحة 173