كتاب حصول المأمول بشرح ثلاثة الأصول

ومعنى يعبدون يوحدوني. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لأجل أن يأمرهم بالعبادة، فمنهم من أطاع وأذعن فعبد الله، ومنهم من عصى وعاند فأشرك مع الله غيره.
والجن: عالم غيبي قائم بذاته، يختلف عن الإنس؛ لأنه مخلوق من نار والإنس مخلوق من طين، قال تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} 1 سموا جناً لاجتنانهم، أي: استتارهم عن العيون، واجتماع الجيم مع حرف النون في لغة العرب يدل على الستر، قال تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} 2.
والإنس: البشر، الواحد "إنسي" سموا بذلك لأن بعضهم يأنس ببعض، والإنس الطمأنينة3.
قوله: "ومعنى يعبدون يوحدوني" هذا تفسير لمعنى العبادة في الآية الكريمة، فمعنى "يعبدون، أي: يفردونني بالعبادة، والإفراد بالعبادة معناه: التوحيد. وقد ورد في الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله عز وجل: يا ابن آدم، تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك، وإلا تفعل ملأت صدرك شغلاً ولم أسد فقرك" 4، فهذا حديث يدل على أن الوظيفة التي أنيطت بهذا المكلف:
__________
1 سورة الرحمن، الآيتان: 14، 15.
2 راجع كتاب "عالم الجن والشياطين" للدكتور عمر الأشقر، والآية من سورة الأعراف رقم27.
3 "لسان العرب": "6/10".
4 أخرجه أحمد: "16/8681"، والترمذي: "4/2466". وصححه أحمد شاكر.
وصححه الألباني في "صحيح الترمذي": "2/300"، وقد وقع عند الترمذي: "ملأت يديك شغلاً"، وفي معناه حديث معقل بن يسار رضي الله عنه، أخرجه الحاكم: "4/326"، والطبراني: 20/500".

الصفحة 45