فقال لي بصوت خفي: إنه إسحاق، وفر غير متثبت، حتى رجع إلى مجلس إسحاق، فراعني ذلك، فلما مثلت بين يديه قال: كيف يقال: "وهذا المال مالا" أو "هذا المال مال"؟ فعلمت ما أراد ميمون، فقال له: الوجه مال، ويجوز مالا، فأقبل إسحاق على ميمون بغلطه وفظاظه1 ثم قال لي: الزم الوجه في كتبك، ودعنا من يجوز ويجوز، ورمى بكتاب كان في يده، فسألت، فإذا ميمون قد كتب إلى المأمون كتابا عن إسحاق وهو بالروم، وكتب فيه: "وهذا المال مالا"، فوقع المأمون بخطه بحاشية الموضع: تكاتبني باللحن2؟ فقامت على إسحاق، فكان ميمون بعد ذلك يقول: ما أدرى كيف كيف أشكر ابن قادم، أبقي على روحي ونعمتي.
"قال ثعلب"3: كان هذا مقدار العلم، وعلى حسب ذلك كانت الرغبة والهمة. وحسبنا الله4.
352- محمد بن القاسم بن محمد بن بشار الأنباري5.
النحوي على مذهب الكوفيين. الإمام المشهور، العلم المنشور. كان أحفظ زمانه، يقال: إنه كان يحفظ مائة وعشرين تفسيرا بإسنادها. وعن أبي علي البغدادي قال: كان أبو بكر الأنباري يحفظ ثلاثمائة ألف بيت شواهد في القرآن، وكان من الصالحين.
وله التصانيف المفيدة في النحو واللغة وأمال، منها: كتاب الزاهر في اللغة
__________
1 في "أ": "يغلطه ويطاله".
2 في "أ": "يكاتبني بالجر" تصحيف.
3 زيادة من إنباه الرواة.
4 وروى القفطي في إنباه الرواة والسيوطي في بغية الوعاة حادثة أخرى دعاه على أثرها الخليفة المعتز، فودع عياله ولم يعد. وكان ذلك سنة 251.
5 ترجمته في الفهرست 1/ 75 وطبقات القراء 1/ 330 وطبقات الزبيدي ص111 ووفيات الأعيان 1/ 502 وإنباه الرواة 3/ 201 والمزهر 2/ 466 وبغية الوعاة 1/ 212 وطبقات ابن قاضي شهبة ص103 والأعلام 7/ 226 ومعجم المؤلفين 11/ 143، وكنيته أبو بكر.