كتاب أحمد أمين مؤرخ الفكر الإسلامي

في الكتاب، وظن انَ سبيله التعليمي قد تحذَد، ولكن والده رأى باستشارة
بعض زملائه أن يتركَ ولدُه المدرسةَ إلى الأزهر، ويصحبُه إليه ذات صباح،
ليرى المسجد غير المدرسة، ذا إيوانٍ متسع، قد فرش كفُه بالحصير،
وامتدت اعمدته صفوفأ، وكل عمودٍ وُضع بجانبه كرسيئٌ عالٍ يشدُ إلى
العمود بسلسلة، ويجلس عليه شيخٌ معفَم، بيده ملازمُ صفراء من كتاب،
والطلاب متحلّقون حوله، وكثيراً ما يقرؤون دون أن يحاول تذليل صعوبةٍ
علمية لأذهانٍ غضّة، لم تتعود الاستماعَ دون نقاش.
ولكن الذي ساعد الطالب أن والده كان من خلفه، يسأله كلَ يومٍ عن
موضوع الدرس، ويشرح له ما غمض، ويحاول أن يجعل علومَ الأزهر
قريبةً من مستواه، ولذلك كان الطالبُ أفضل من كثيرٍ من زملائه، ولكنه
كان متشوقاً لترك الأزهر، فاهتبل فرصةَ إعلانٍ للتدريس بمدرسة راتب
باشا بالإسكندرية، وتقدَم ليُمتحن، ففاز وعُتن.
ثم قُدّر لمدرسة القضاء الشرعي أن تُنشأ، وأن تأخذ طلأبها من
نابغي أبناء الأزهر، بعد امتحانٍ عسير، فطَمَحَتْ با لشاب هفَتُه إلى ا لالتحاق
بها، وخرج من الامتحان ظافراً، فصار أحدَ الطلاب، وحديثُ مدرسة
القضاء يطول، حيث كانت ذاتَ ثقافةٍ متعددة من دينية ولغوية وأدبية،
وقانونية عصرية.
وقد اختير لها ناظرٌ كفءٌ هو (عاطف بركات)، فأشرف إشرافاً دقيقأ
عليها، يرعى الدروس، ويضع المناهج، ويناقش الأساتذةَ والطلاب،
وكانت العلومُ المتشعبة كثيرةً، ولا تحصل إلا بالصبر الدؤوب، والوقتُ
كفُه عمل، حتى الليل، لأنَ الطالبَ لا بدَ أن يستعدَ لدروس الغد، يقرؤها
في الكتاب المقرر قبل أن يبدا الأستاذُ شرحها في الغد.
10

الصفحة 10