إحاطة الدؤوب اليقظ، الذي يسمع ويناقش ويعترض في شدة انتباه وإحكام
رصد، ولا اكاد اجد لأبي حيان التوحيدي نظيراَ في منحا 5، إذ ظل كتابه
الرائع إعجازاَ يتحدّى لاحقيه، كما أعجز سابقيه، وقد انتفع الدكتور احمد
أمين بدراسة هذا الكتاب في أجزائه الثلاثة حين أشرف على تحقيفه،
فأوحى له ان يجعلَ من مجالسه مع زملائه في الجنة التأليف والترجمة
والنشر)، وهُمْ صفوة المفكرين في مصر، وفي غير مجالس اللجنة من
سحر الرحلات، ومجاذبة الندوات، ما سجله بإمتاعِ في كتابه الكبير. . .
وقد كتب: أتمنى ان تجمع هذه الأحاديث في نطاق خاص، وفي جزءِ
منفرد، كيلا تضيع في خضمّ أخواتها من المقالات! ويكونُ لها عنوان
جاذبٌ للقراء مثل عنوان (الإمتاع والمؤانسة) الذي اختاره أبو حيان.
واضربُ المثل لذلك - عفواَ دون قصد ترجيحي -بما جاء في الجزء
الثالث تحت عنوان (حديث الخميس) في مقالين يتحدثان عن مشكلات
عصرية اجتماعية وسياسية، حيث ابتدأ المجلس بحديث عن حالة الشرق
بعامة، ومصر بخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت الحرب في
نهاياتها - فقال قائل: إنّ كل أمم الأرض في الغرب ترسمُ صورةَ لما ينبغي
أن تكون عليه بعد الحرب، وتصدر الإحصائيات، وتحتم الخطط،
وتعالج الأمراض، ما عدا أمم الشرق فما سرّ ذلك؟.
فدُهش الحاضرون للسؤال. وكأنّهم لم يتوقعوه، وأجاب متسرعّ
فقال: الهدف معروف، وهو ا لاستقلال! فر دّ عليه زميلٌ بأن كلمة ا لاستقلال
مُبهمة، لا ترسمُ خطةَ، ولا تحدّد إصلاحأ، ثم إن الاستقلال مختلفُ
المعنى بالنسبة للدول المتجاورة وما بينها من الخلافات، وبعد إفاضةِ في
تفصيل ذلك قال قائل: يجب أن نتناسى هذ 5 الخلافات، ليتسنى وضع
البرامج الإصلاحية في الاقتصاد والسياسة والعمران، والتعاونُ لازمٌ بين
102