وماذا يبقى بعد ذلك من عناصر الأسلوب؟!! فخصوبة الخيال تتجفى في
اختيار مصباح علاء الدين ليكون وسيلةً صادقةً لرؤية الناس والأشياء
والحياة على حقيقتها، فقد عثر عليه الكاتب الكبير بعد ليلة نابغيّة أرق فيها
لزكامٍ اعترى انفه، فعاقه عن الهدوء في الرقاد، وأجبره على ان يترك البيت
إلى الشارع، ليجد هذا المصباح، فسارع إلى منزله ثانية، ليسعد برؤية ما
بداخله، وأدار المفتاح فخرج له مَنْ يسأله عن مطالبه ليحققها في الحال،
فقال له الأستاذ: أريدُ ثلاثة أشياء، أن أرى الناس على حقيقتهم والتاريخ
على حقيقته، والدنيا على حقيقتها، فدُهِش المسؤول إذ لم يتعود مثل هذه
المبتكرات الغريبة في دنيا الاَمال - وقد فصّل الكاتب ذلك بما يحلّ به
إيجازي المقتضب، ولكنّه أجاب عن طوع، وبدأ بالمطلب الأول حين
أدار الأستاذ مفتاح المصباح، فرأى الأناس على غير ما يعهد، فعالِم كُتب
على بطاقته أنه جاهل، ووزير نابه كتب على بطاقته أنه لصّ سارق، وزعيم
وطني كُتب على بطاقته أنّه خائن منافق، وأميئ غافل كُتب على بطاقته انه
حكيم عاقل! وعلى الجملة فقد انقلبت الأوضاع، وانعكست الأمور إلى
غير ما يعهد الأستاذ. . .
ثم حان تحقيق المطلب الثاني، فأدار الكاتب المفتاح ليقرأ كُتب
التاريخ الحقيقية، فراعه أن كثيراً مما عرفه قد شطب وكُتب عليه أنّه كذب،
ثم دهش لأن قائدا عظيمأ يعرفهُ القراء قد وُصف بالجبن والخسة، ورجلأ
مغموراً لا يعلم أحد عنه شيئأ قد وصف بالسموّ والارتقاء وهكذا.
وجاء المطلب الثالث فصارت الدنيا في مصباح علاء الدين غير
الدنيا، فهي ليست صافية الأديم كما يعهد، ولكنها ذاتُ رعد وبرق
ودُخان، وتُؤذن بالزلازل والبراكين، وخاف الأستاذ على نفسه، فاطفأ
المصباح لينجو من الزلزال المتوقع.
105