كتاب أحمد أمين مؤرخ الفكر الإسلامي

هذا المقال الرائع احتل خمس صفحات من الكتاب، وليس في
حاجة إلى تنويهٍ أدبيّ يضعه موضعه اللائق، لأنه ابلغُ رد على من ينكرون
على الأستاذ صفة الأديب، ومنهم للاسف ابنه حُسين كما سجل ذلك في
كتابه (في بيت أحمد امين) وحسين مشتطٌّ دائمأ.
هذا عن الموضوع الأول. أما الموضوع الثاني فتحت عنوان (وحي
البحر) وهو المقالُ الأول بالجزء الثاني، وهو نموذجٌ لأدب الطبيعة الرائع
في تصويره واستشفافه وإلهامه، فقد جلس الأستاذ على صخرة مشرفة
على البحر وحيداً، دون صديق، وقاده تفكيره إلى أن صداقة النفس مِنْ
ألزم اللوازم للإنسان، إذ لا يستطيعُ أحد أن يهربَ من نفسه، فماذا تكون
الحال لو كانت عدوَّاً، كما هو الواقع عند الكثيرين؟!.
وبعد طوافٍ في هذه المعاني النفسية انتقل الكاتب إلى وصف البحر
ذي الجمال والجلال، فهو جبارٌ حتى ليرتعد منه أسطول، ووديعٌ حتى
ليداعبه طفل، والفرقُ بعيد بينه وبين البر، لأن البر قد خضع للإنسان كما
يخضع الحيوان المستأنس أما البحرُ فباقٍ على وحشيته منذ خلقه الله، يبتلعُ
الصغير والكبير، والمركب والأسطول، وهو مع عمقه الهائل وموجه
المضطرب مبعث جلال وجمال.
وينتقل الفيلسوف المفكر نقلة أخرى، فيقرّرُ أن ا لإنسان والبر والبحر
معاَ وحدةٌ واحدة، كلّها تخضع لإرادة واحدة، إذ يدور الكون في نظام
وإحكام، يعجزُ العقل عن إدراك كنههما، كما تعجز النملة عن إدراك
الكرة الأرضية التي تسير فوقها.
ويختم الكاتب مقاله بهذه الخاطرة: "ثم جاءتْ موجةٌ عاليةٌ فلطمت
الصخرة - التي يجلس عليها - لطمةَ قويةً، أصابه رشاشها، فتنئه من احلامه
106

الصفحة 106