إلى أبي عصراً، أو أدّعي المرض، وليس بي مرضٌ، ولكن إذا اكتشُف هذا
كان جزاؤه الضرب الشديد، فتخمد ثورتي، ولقد جرّبتْ امي حظّها،
فكانت تتدخل في الامر حين يضربني، ولكنها راتْ أنها وإنْ تدخّلت حين
الغضب والضرب، فقد يتحولان إليها، فكان هذا إذا حدث فيما بعدُ
تكتفي بالصراخ والعويل بعيداً.
وقد استمررتُ في هذه المدرسة، وكنت متفوقأ في اللغة العربية
بفضل ما اخذه من الدروس على والدي، وفوق المتوسط في الحساب،
وضعيفأ في اللغة الفرنسية، لأ نّ أبي لم يتركْ لي ا لزمن الكا في لمذاكرتها ".
ووالدُ الاستاذ معذورٌ في مسلكه مع ابنه، فهو عالم أزهري يرى من
واجبه أن ينشأ ابنهُ نشأةً تُلمُّ بعلوم اللغة والدين، والمدارس المصرية في
عهد الاستعمار الإنكليزي لا تهتمّ بالقرآن ولا بالفقه، فرأى أن يممم هذا
النقص، ولكنه غير معذور حين يكلّف ابنه، ويُرهقهُ بالكثير من علوم
اللغة، وفي البعض ما يكفي، كما لا يُعذَرُ في تهديد الوالدة وقمعها،
ولك! الاسرة في حياة أحمد أمين كانت ترى للوالد كل سيطرة، والرجلُ
ابن بيئته.
ومن مراسيم هذا الوالد أن يجعل ابنه الصغير مثله في ارتداء العمامة
والكاكولة، وهو أمرٌ مستغربٌ، تحدث عنه ا لأستاذ.
قال (1): "ها اناذا في سن الرابعة عشرة، يُلبسني أبي القباءَ والجبةَ
والعِمّة والمركوب، بدل البذلة والطربوش والجزمة. وكان منظري غريباً
على من رآني في الحارة او الشارع، فقد عهدوا انَّ العمامة لا يلبسها
(1) حياتي، ص 49.
111