إلا الشاب الكبير أو الشيخ الوقور اما الصغير مثلي فإنما يلبسُ طربوشاَ أ و
طاقيّة، ولذلك كانوا كثيراَ ما يتضاحكون عليَّ إذا رأوني بالعمة، فأحعحنُ
ضيقاَ شديداَ، وخجلاَ بالغاَ، و أتلمّس الحارات الخالية من الناس لامزَ بها،
والمصيبةُ الكبرى كانت حين يراني من كان معي في المدرسة (بعد ان تركها
والتحق بالارهر) فقد كان يظن أني مُسِختُ مسْخاَ، وتبدّيت بعد الحضارة.
وكأن الذي كان يربطني بهم هو وحده لبسي ولبسهم، لاطفولتي
وطفولتهم، فنفروا مني مع حنيني إليهم.
وسرعان ما انقطعت الصلة بيني وبينهم، فانقبض صدري، لائي
فقدت اصدقائي القدامى، ولم أستعضْ عنهم أصدقاء جدداَ، فكنتُ
كالفرع الذي انقطع من شجرته، أو الغريب في غير بلدته ".
وتربيتهُ الأزهرية، وحرصُ والده على تعليمه النحو من طريق المتون
الذائعة في ذلك الحين، جعلاه متفوقأ في المسابقة التي عُقدت لاختيار
مُدرسين بمدرسة (راتب باشا) بالإسكندرية فأصبح يشعر باستقلال نسبي،
وانتقل من بلدِ إلى بلدِ، ومن جوِّ إلى جو، وصادف من المتاعب بين الزملاء
ما ضاق به صدره، وكان المدرّس الناشى أميناَ مع قارئه حين اعترف بأ نه وهو
المدرس كان ضعيفأ في دروس الإنشاء، بحيث كان بعضُ تلاميذه يكتب
خيراَ مما يكتب، ودروسُ الإنشاء لا تتّصل بعلوم النحو والصرف التي أتقنها
مع والده، وكان على الوالد وهو عالِم يدزس بالارهر أن يلفته إلى مطالعة
الاَثار الادبيّه. ولكنه هو الاَخر لم يكن يكترث بها، إذ كانت علوم الأدب
بالأزهر في الدرجة الثانية، وكان الأستاذ سيد المرصفي الذي يشرحُ
(الكامل) للمبرد في دروسه ا لأدبية، لا يلقى من ا لإجلال بين زملائه مايلقاه
من متخصصون في شرح (التلخيص) وحواشيه المختلفة. وكلّها عناء
لا طائلَ تحته.
112