كتاب أحمد أمين مؤرخ الفكر الإسلامي

التي هضمَها، فمنهم من بلغَ درجةً جيدةً في الجغرافية، والتاريخ العام،
والأدب الإنكليزي، ومنهم من بلغ هذ 5 الدرجة في الرياضيات، والطبيعة
والكيمياء، وكقُهم يعرف من الدنيا الجديدة والمدنية الحديثة اكثر مما
يعرف.
وقد كانوا يجتمعون وإياه في بعض المقاهي بادئ ذي بدء، فتكون
من أحاديثهم مادةً شهيةً مختلفة الطعوم، متعددة الألوان، فعاشقُ الأدب
الإنكليزي ذو ذوق وتحصيل، فهو يتحدَث عما يستوعبه، وقارئ التاريخ
يجيد ذكرَ طرائفه، وما حضَله من بعض أصوله، ويقارن بين اسلوب
المؤرخين العرب والفرنجة، وعالمُ الرياضيات، وصاحب الطبيعة
والكيمياء، كقُهم يتذوقون ا لأدب، ويقرؤون كتبه في ا لتراث ا لعربي والكُتب
الأوروبية عن فهمٍ واعٍ.
يقول الأستاذ: " وكل اولئك كانوا مدرسةً لطيفةً مفيدة لي، مدرسةً
خلتْ من عبوس الجد، وثقل الدرس، وسماجة تحديد الموضوع والزمان
والمكان، مدرسةً فيها الجد والفكاهة، والعلم والأدب، والشعر والتقريظ
والنقد، مدرسةً يكون فيها التلميذُ استاذاً، والأستاذُ تلميذاً، مدرسةً فيها
حريةُ القول، وحرية الاستماع، وحرية الموضوع، وحرية كل شيء،
تقاربَ فيها سن التلاميذ والأساتذة، فتجانسَتْ مشاعرُهم، وتشابهت
امالهم ومطامحهم، وتفتَحت نفوسهم للاستفادة من تنوُّع مواهبهم.
وبهذه المدرسة أحسستُ أني أقربُ إلى عقلية أصحابها ومزاجهم
وثقافتهم شيئأ فشيئاً، وأبتعدُ عن عقلية زملائي الأقدمين شيئاً فشيئأ،
ورأيتني بفضل ما شوَّقوني إليه من كُتب، أكؤَن لنفسي نواةَ ا لكتب ا لإنكليزية
بجانب الكتب العربية، وأحضِّر منها دروسأ في الأخلالتى والمنطق، وأملأ
12

الصفحة 12