كتاب أحمد أمين مؤرخ الفكر الإسلامي

وتاريخُ أبي حيان التوحيدي قد أوْجز 5 ا لأستاذ أحمد أمين في سطورٍ
تُغني عق مقال طويل، ونعمةُ الإيجاز لا يُلقَاها إلا الفاقهون، حيث قال
عنه في مقدمة (الإمتاع) (1):
"ابو حيان التوحيدي من أولعك العلماء الأدباء الذين أُصِيبوا في
حيا تهم بالبؤس والشقاء، وظلّ حيا ته يجاهِدُ ويكافح في ا لتأ ليف، واحتراف
الوراقة والنّسْخ وَجَوْب الأقطار، يقصد الأمراء والوزراء، لعفهم يكافئون
علمه وادبه، فلمْ يحظَ من كل ذلك بطائل، وعاش كما يقول في بَعضِ كتبه
على نحوِ أربعين درهمأ في الشهر، أيّ ما يُساوي جنيهاً واحداً، مع أنّه
رأى كلّ مَن حوله من العلماء والشعراء يحظون من الأمراء بالمال الكثير،
والحظ الوافر، وليسَ اكثرُهم يُدانيه علمأ، أو يُقارِبُه أدبأ، قَصَد ابن العميد
وابنَ عبّاد وابنَ شاهويْه وابنِ سعدان وأبا الوفاء المهندس، وغيرهم،
ومَدحَ وأطرى، وبكَى واشتكى، وهدّدَ وأوعد، فما نفعَهُ مَدحُه ولا ذمّه،
ولا إطراؤ 5 ولا هجاؤ 5، فإن استفاد أحد مما عانا 5 أبو حيان، فإنّما هو
الادب بما كتب وألّف، وبما هجا واستعطف، ولم يكن حَظّه بعد وفاته،
بأحسنَ منه في حياته ".
ثم تحدّثَ الأستاذ -بعد تحقيق عَويص في أمورٍ شتى - عق الكتاب،
فذكَر ان مؤلّفه ق! مه إلى ليال، فكانَ يُدوّن في كل ليلةٍ ما دار بينه وبين
الوزير على طريقة السؤال والجواب، وكانَ الوزير ابن سعدان هو السائل،
وأبو حيان هو المجيب، فكانتْ موضوعات الليالي مُتنوعةً تنويعأ طريفاً،
وهي لا تخضعُ لتبويبٍ ولا ترتيب، إنّما تخضعُ لخطرات العقل، وطيرانِ
(1) المقدمة: 1 /ج.
146

الصفحة 146