كتاب أحمد أمين مؤرخ الفكر الإسلامي

بالطاعة دته، وهذا المعنى يقضي على كل فكرةٍ من شأنها وجودُ طبقةٍ يكون
لها الحظوة والرئاسة، أو تكون ذاتَ وساطةٍ بين الخالق والمخلوق،
فالكل سواسيةٌ كأسنان المشط.
وهذه العقيدة في نظر الأستاذ تحتاج إلى رياضةٍ شديدة في تصفية
النفس من الشوائب، وإلى رياضةٍ قوية كي يحتفظ الضعفاء بإيمانهم، فلا
يركعوا للأقوياء، وتحتاج إلى أن يُلجمَ الاقوياءُ غرائزَهم، فلا يحاولوا
السيطرةَ على الضعفاء.
وهذا مطلبٌ شاق، ولكنّه جوهر الإسلام (1)، فإنَّ أكثر شرور
الإنسانية في الشرق والغرب ترجعُ إلى التأئه من جانب الأقوياء، والركوع
والخضوع من جانب الضعفاء، ويزول ذلك كلّه لو امن الجميع حقأ أنْ
لا إله إلا اللّه!.
أسباب تأخر المسلمين:
فإذا بحث ا لأستاذ عن اسباب تأخر المسلمين أرجعَ ذلك إلى بُعدهم
عن معرفة سنن الله في الكون، فهي تسيرُ وفق نُظُمٍ دقيقة، لا شذوذَ فيها،
وفي اتّباعها العزةُ والاستقلال، وفي مجافاتها الانحدارُ والاحتلال.
ومن أول هذه السّنن حِفظُ الأمة بالصالحين من أبنائها (2)، إذ لا حياةَ
لها بدون طائفةٍ تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر! وكان اسمُ هذه الطائفة
في العصور الأولى (اهلَ الحلِّ والعقد) وهم في هذه العصور أعضاء
النيابة، الذين ي! تخبون بحريةٍ ويقين، ولهم معرفتهم بشؤون الناس،
(1)
(2)
فيض الخاطر: 9/ 2.
المصدر السابق: 9/ 33.
26

الصفحة 26