المتلاصقة في جسم حيئ نابضٍ بالدم، متدفق بالحياة.
والفصلُ الأول من الباب الاول يتحدث عن جزيرة العرب بموقعها
وأجزانها ومناخها، وسكانها واقسامها، وهو فصلٌ تقريري، لا ياتي أ ي
باحثٍ فيه بغير الثابت المدؤن في بطون التاريخ، وهو تمهيد لطيف للفصل
الثاني الذي تحدّث فيه المؤلف مُبدعاً عن اتصال العرب بمن جاورهم من
ا لأمم، ووسائل هذا ا لاتصال، وعن ا لإمارتين العربيتين في الشام والعراق،
وهما إمارتا الغساسنة والمناذرة، وعن اليهودية والنصرانية، وكل ما جاء
في هذا الفصل جيّد متماسِكٌ يضيءُ شعاباً كثيرة.
ولكن المؤلفَ قد تأثر بكتاب (الشعر الجاهلي) أو بمنْ تأثر بهم
صاحب كتاب (1) (الشعر الجاهلي) فسأل نفسه سؤالاً؟ وأجابَ عنه بما
يدكُ على هذا التأثر، اما السؤال، فهو أن اللخميين في الحيرة والغساسنة
في الشام عفروا قروناً، وبلغوا من المدنية شأواً بعيداً، وكان منهم من
يخالِطُ الفرس والروم، ويتكلّم بلغتهم، ودينُهم على العموم كان ارقى
على العموم من دين غيرِهم من العرب، وهذا كفه داعٍ إلى خصب الذهن،
وتفتق القريحة بالشعر، وكان من المعقول أن تُخرج بلادهم فحولاً من
الشعراء، يفتحون في الشعر أبواباً جديدة ومعاني جديدة مع رشاقة في اللفظ
تُناسب حضارتهم، ولكئنا لم نجد ذلك! فما تعليله؟ هذا هو السؤال؟.
أما الإجابة فهي " ان هؤلاء الغساسنة والحيريين كان فيهم شعراء،
ولكن كانت لهم لغة خاصة بهم غير لغة قريش التي سادت الحجاز، ولم
تستطع أن تسود الحيرة وغسان لبُعد موطنهما، ولأنّ الحيرش والغسانيّين
ارقى ممّن حولهم، فأبوا ان يخضعوا للسان غير لسانهم، وقد يستتبعُ ذلك
(1)
الدكتور طه حسين وهو الكتاب الذي أثار معركة أدبية كبرى.
(الناشر)