كتاب أحمد أمين مؤرخ الفكر الإسلامي

نهّاب سلاّب، إذا اخضع مملكة أسرع إليها الخراب، لا يُجيدُ صناعةً،
ولا يحسنُ علماً، وهو رأيُ ابن خلدون - للأسف - وقريبٌ منه رأي
(أوليري) الذي يرى العربيّ جامداً مادياً ضيقَ الخيال.
وقد نفى الأستاذ راي الشعوبيين، واستشهد برأي الجاحظ في
نقضه، وكان منصفاً حين قال في ردّ المأخذ الثاني: إنّ العربَ شعبٌ ككلِّ
الشعوب، له مميزاته، وفيه عيوبه، وكان عليه ان يزيدَ في الردِّ على المأخذ
الأول ما ينبئ عن أنَّ الإسلام قد هدى هؤلاء الجفا 5 فكان ذلك معجزةً له،
إذ لو كان العربُ على أوفى نظام في الاجتماع والسياسة ما كان للإسلام
رسالةٌ ما.
كما أن الشعوبيّين يتحدثون عن الجاهلية فقط، فيتعارفونها بعهد
الحضارة في الأمم الأخرى، وهذا خطأٌ، لأنَّ لكلِّ أمة - أية امة - عهداً
جاهلياً، فالاصل ان تقابل العهودُ الجاهلية بعضها ببعض، وتقابل عهود
الحضارة عن العرب بعهود الحضارة عند غيرها، وهُنا يبزغُ فضل العرب
دون نزاع.
اما رأي ابن خلدون فباطلٌ واضحُ البطلان، وكذلك رأيُ من جاراه.
لأنّ (ابنَ خلدون) و (اوليري) أخطآ معاً في عدم تحديد المرادُ بالعربيّ
لديهم، أهو العربي الجاهلي ام العربي الإسلامي؟ فالقارى حين يتلو قولَ
ابن خلدون: "إن العربي يهدمُ القصورَ ليستعمل حجارتها في الأثافي،
وخشب سقفها في الاوتاد"، يظنُّ ان ذلك هو البدويّ الممعن في
البداوة (1)، وإذا قرأ أنَّ العربي لا يُحسن اختيار مواقع البلاد يظنّ أ ن
(1)
رأي ابن خلدون هذا في الأعراب لا في العرب عامة، وقد قال ما قال وما فعله
الهلاليون في هجرتهم إلى المغرب ماثل في ذهنه. (الناشو)
55

الصفحة 55