كتاب أحمد أمين مؤرخ الفكر الإسلامي

وهل لي في هذا المجال غير أنْ أشيرَ إلى الخطوط العريضة في هذا
البحث المستفيض، فأعلن أن الباب الأول من الجزء الثاني يتحدّث عن
أبوابٍ جديدة لم يطرقها باحث عربي قبل أحمد أمين بهذا الإبداع الدقيق،
فقد تحذثَ المؤلفُ عن قضايا غامضة - أو كانت غامضةً قبل أن يكشفَ
عنها النقاب - مثل قضايا الصراع بين العرب والموالي، والعصبية القبليّة.
وتنوع أشكال الصراع، وإلى أقي غاية انتهى.
ثم تحدث عن الشعوبية، معناها، ومؤداها، وكيف بدأت،
وما أثمرت من جهد أدبي، وعنف سياسي. . .
فإذا انتهى من ذلك في جِدّةٍ وسطوع تحدّث عن الرقيق وأثر 5 في
الثقافة، واختلاف أنواع الرقيق، وميزة كل نوع، وثقافة الجواري و أثرهن
في ا لاَداب والفنون مع مقارنةٍ بين الحرائر وا لإماء!
أفا المؤرخ العقلي الذي لم يُغفل مسائل السياسة التي أدّت إلى
ظواهر جديدة على المجتمع الإسلامي، فقد كان هو احمد أمين الذي
مزج حديث السياسة بحديث الفكر مزجأ موفقأ حين ألمَّ بحياة اللهو وحياة
الجدّ، وقارن بين الأمويّين والعباسيين في الحياتيْن، وأوضج كيف تدرجّ
اللهو بتدرج العصور، إذ بدأ ضئيلاً في العهد الأول، ثم استشرى في العهود
التالية، يتجلى ذلك فيما حكا 5 عن السفاح والمنصور والمهدي والرشيد
والأمين والمأمون والمعتصم والواثق، حيث فاضتْ سيولُ الترف المسرف
وتعددتْ مظاهر 5 في القصور، حيث انعكسَ ا لأمر في الأكواخ البائسة التي
لا يجد أصحابها ما يقيهم غوائلَ الحرمان.
وقد كان حديث الزندقة قبل ضحى الإسلام غائماً يحْجبه الضباب
فأسفرَ على يد الأستاذ حين حلّل دواعي الزندقة، وبين اسباب انتشارها،
69

الصفحة 69