وما ألفت على الفكر من تبعات.
وتتوالى الأبوابَ الدسمة متحدثة عن خصائص الثقافات الأجنبية
من فارسية وهندية ويونانية ورومانية وعربية، وقد وقفة المؤلف أمام كل
ثقافة من هذه الثقافات وقفة المؤرخ الدقيق أولاَ، والفيلسوف المعلّل
ثانياَ، والمسلم الحرّ ثالثاَ، هذا الذي ينتفض غضباَ حين يرى مظاهر الفساد
تتدافع إلى غير ما حد، ويتساءل كيف حدث هذا، والعصر عصرُ إسلام!
والخلفاءُ يجعلون الدين سندهم الاول في الحكم.
وقد اشتهر الأستاذ باطّلاعه الغزير المستوعب لاكثر ما الَّف في
العصور الإسلامية، فكان هذا الاطلاع حافزاَ له على امتداد القول، وعلى
صحة الحكم، وقد جعل لكل ثقافة من هذ 5 الثقافات من يمثلها أحسنَ
التمثيل، ف (ابن المقفع) ممثل للثقافة الفارسية، وله كتبه التي حلّلها
المؤلف في اطمئنان، ولم يخترْ ممثلاَ للثقافة الهنديّة، لأنّها في العصر
العباسي الأؤل قد حُصرت في القصص والحكم وبعض الرياضيات.
أمّا الذي مثل الثقافة اليونانية فهو (حنين بن إسحاق) بترجماته
العلمية الكثيرة، وبعمله الطبي البارع.
وكأني بأحمد أمين وقد حار فيمن تختاره ممثلاَ للثقافة العربية، ثم
راى أن يكون (المبرد) صاحبُ (الكامل) هو الممثل المختار، فأومأ إلى
شذورِ من حياته، واتجاهه العلمي في التأليف، وهو بذلك يتحدّثُ عن
الثقافة العربية الخالصة، لأنّه ادخر الجاحظَ لموقف اَخر، عبَر عنه بما
سمّاه امتزاج الثقافات، حيثُ أشاد بحركة الاطلاع على المعارف الواحدة
من كل صوب، وبئن اختلاف العلماء في الاستقاء من هذه الجداول قوةَ
وضعفاَ، وأثر الإسلام في هذا الامتزاج الثقافي، ثم اختار الجاحظ ممثلاَ
70