كتاب أحمد أمين مؤرخ الفكر الإسلامي

وأنتقل إلى الجزء الثالث من (الضحى) وقد قرأتُه في صدر شبابي
عدة مرات، لظروف أشترك فيها مع غيري من الزملاء، إذ كئا قد قرأنا
مسائل علم الكلام في كتب العصر المملوكي، التي كانت تدرّس بالأزهر،
وفي كُتب ما قبل هذا العصر مما كتبه علماء المشرق من الأعاجم،
فخاضُوا في صفات الله مخاضاً مزجُو 5 بالفلسفة والمنطق، حتى تحؤلت
قضايا علم الكلام إلى ما يشبه الألغاز، وكئا حين يستغلقُ علينا وجهُ الرأي
نحفظ الموضوع دون ان نصل إلى خبايا 5 حفظاً يؤهل إلى النجاح في
الامتحان فحسب، وازدادت الحيرة حين نُسأل عن فحوى هذ 5 الكتب
فلا نستطيع الجواب.
ولولا (رسالة التوحيد) التي كتبها الأستاذ الإمام محمد عبد 5 ما كنا
عرفنا شيئاً صحيحاً عن علم الكلام بالمرة، ثم هدانا الله إلى ما كتب (أحمد
أمين) في الجزء الثالث من (ضحى الإسلام) فوجدنا مسائل علم الكلام قد
أصبحتْ من السهولة وكأنّها مسائل علم الفقه، لم يستغلق علينا شيء من
معضلاتها، وقد كابدَ المؤلفُ كثيراً في تذليل الاراء، وتيسيرها، كما عانى
الأكثرَ في مناقشتها، إذا اضطر إلى مخالفة بعض السائد المتعارف لدى
الجمهور، وليس في ذلك شيءٌ، ما دام يملك دليل المخالفة، ورُفيَ رأي
مهجورٍ كان أولى من ذائع مشتهر، ولعل صاحبَ (ضحى الإسلام) قد
أفصجَ عن معاناته الشديدة حين قال في المقدمة:
" وقد لقيتُ في هذا الجزء من العناء ما لم القه في غير 5 من الأجزاء،
لأن العقائد الدينية قد عملت فيها الأهواء أكثر مما عملت في غيرها من
مناحي الحياة، فتحريرُ المذهب كما يتصور 5 أصحابُه في غاية الصعوبة،
والخطوطُ المرسومة في تحديده في كثيرٍ من الأحيان غامضة ملتوية،
74

الصفحة 74