كتاب أحمد أمين مؤرخ الفكر الإسلامي

"وكلٌ قد أبلى بلاءً حسناً، ولاقى من العناء ما لا يتحفله إلا اولو
العزم، فمنهم من شُزد، ومنهم من قُتل، ومنهمْ من رُمي بالخيانة
العظمى، فمن نادى بالمساواة في العدل بين الرعية من غير نظر إلى جنس
أو دين ائهم بمحاربة المسلمين، ومن نادى بتنظيم الجيش على الأساليب
الحديثة اتُهم بالتفرنج والخروج على التقاليد، ومن نادى بتأسيس مجلس
للشورى، ائهم بمحاربة السلطان، والحضق على الثورة، ومن نادى
بإصلاح العقيدة والرجوع إلى أصل الدين اتُّهم بالإلحاد، وهكذا! وهُم
على هذا صابرون مجاهدون، أحئوا مبدأهم في الإصلاح أكثر مما أحبوا
الحياة، ولم يعبئوا بالتعذيب يحيقُ بهم في سبيل تحقيق فكرتهم، وظقتْ
آراؤهم تعملُ عملها في حياتهم وبعد موتهم، حتى تحقّق إصلاحهم،
وتقدم الشرق على أيديهم خطواتٍ تستحق الإعجاب ".
والأستاذُ في حديثه عن زعماء الإصلاح ينخي التفصيلات الهامشية
التي لا تفيد القارى فائدةً ثمينةً، فهو قد قرأ كل ما تعلّق بالزعيم قراءةً
مستوفاة، وأخذ من قراءته ما أظهرهُ أمام عينه واضج الملامج، ساطع
القسمات، ثم اتّجه إلى رسالته الإصلاحية لتكون وحدها مدار الحديث
عنه، وإذا اُحطيت بشيء آخر فهو مما يكفل حديث الإصلاح، لائه
لا يكتب عن كل زعيم كتاباً مستقلأً فيتسع المجال لتصوير أدوار حياته،
ولكئه يهدف إلى مناحي الإصلاح في رسالته التي نهض بها، فهي الهدف
الأول من تسطير كتابه.
وقارى كتابه حين ينتهي من قراءة فصلٍ من فصوله يظلّ مشوقاً متلهفاً
إلى تتبّع آثار المتحدث عنه، وذلك كسبٌ تربوقي لا خلافَ في جدواه،
كما انّ اختلاف مناحي الإصلاح باختلاف الشخصيات المتحدث عنها،
78

الصفحة 78