كتاب أحمد أمين مؤرخ الفكر الإسلامي

وحدها، ولم يلتفت إلى ضرورة الانتفاع باَثار المدنية العلمية التي نهضت
بها أوروبة، وتخلّف الشرق، ولعلي أرى أنّ الجبهة الواحدة تضمن النجاح
الأكيد إذا ركّز المجاهد جهده في ميدانها، أما تعدد الجبهات فقد يشتت
الجهود، ولهذا كان لكل زعيم ميدانه الخاصة في أكثر الأحوال.
وبعد حديث محمد بن عبد الوهاب جاء حديث (مِدْحتْ باشا)
المصلح التركي العظيم، وقد وفاه الأستاذ حقه من البيان فصادف ذلك
تقدير القارئ العربي. . . لأئه لم يكن يعلم عن المصلح العظيم شيئاً ما،
إذ لم يلتفت إليه كاتبو الإصلاح المعاصر، لأن الحركة الكمالية قد شوّهت
كلَ من قام بالإصلاح قبل سقوط الخلافة، حتى من ناوءوا الخلافة لم
يحفلوا بجهاده. إذ إنّ هئم كلّ منتصرٍ جديد في المضمار السياسي ان يُعلن
أنّه أنقذ الأمة من العدم، وأنها كانت قبله لا شيء! وله ذيوله من المرتزقة
يفهمون ما في نفسه، فيكتبون التاريخ كما يشتهي.
وأول مأخذ يوخه للأستاذ احمد أمين ان كتب عن عبد الحميد
مستمدأ أفكاره مما كتبه خصومه بعد عزله، وهؤلاء لم يرعوا حق التاريخ
في إثبات الحق، وتزييف الباطل، ونحن لا نعلن أنَّ السلطان كان مبرأً من
الماَخذ، ولكن يسوءنا ان تضخم مثالبُه ويُختلق بعضها اختلاقأ، ثم
لا تُذكر له حسنةٌ واحدة! حتى موقفه من اليهود حين رفض مقامهم في
فلسطين تناسوه فلم يذكروه، مع أئه كان أحد وسائل سقوطه، إذ تألبت
الصهيونية عليه بدعاياتها المسمومة حتى تم لها ما ارادت! وقد أحسن
احمد امين تلخيص اَراء مدحت، وخطواته ا لإصلاحية حين قال عنه (1):
"قضى مدحت حياته كلها في الإصلاح الاجتماعي، يختار من
(1) زعماء ا لإ صلاح، ص 7 5.
80

الصفحة 80