كتاب أحمد أمين مؤرخ الفكر الإسلامي

خير الدين معارِضأ صارماً، فأرغمه على الاستقالة، وكانت فرصةً طيبة
لعُزلة هادئة راجع فيها خير الدين سجلّ حياته، واَماله في تقدّم وطنه،
وجمع خواطره وقراءاته السياسية والاجتماعية في كتابٍ سمّاه (أقوم
المسالك في معرفة أحوال الممالك) وقد تأثّر فيه بابن خلدون، إذ افتتحه
بمقدّمة يتحدّث عن حال العصر وشؤون العمران، ثم شرح العلل المزمنة
التي هوت بالمسلمين إلى وهدة التخلف، وقد أحسن الدكتور احمد أمين
في تقديم زبدة فكر خير الدين في سطور ملخصة من المقدمة قال فيها (1):
"إن أهئم ما يعنينا الان مقدمته التي تشرحُ حالَ المسلمين،
وحاجتهم إلى الإصلاح، وهو فيها ينعى على المسلمين كراهيتهم الأخذ
بأساليب المدنية الغربية في الإصلاح، واعتقادهم انّ كل ما صدر عن
أوروبة حرام، ويعلّلون ذلك بعلل مختلفة. كأن يقولوا: إنّها مخالفة
للشريعة الإسلامية، أو يقولوا: إنها إذا ناسبت الأمم الغربية، فلن تناسب
الأمم الشرقية، لأنّ لكلّ أمة موقعها التاريخي وعقليتها، أو أنْ يقولوا: إنّ
المدنية الغربية بطيئة الإجراءات، وخاضة في طريق القضاء، أو أ ن
يقولوا: إن النظم الغربية تستلزم التوسّع في الإدارة، وتقسيم الأعمال،
وهذا يستلزم كثرة الموظفين، وليس لنا مالٌ يكفي لكلِّ ذلك، فلا بدّ إذن
من فرض ضرائب جديدة، والبلاد فقيرة لا تحتمل زيادة الضرائب ".
وهذه مزاعم فندها خير الدين، ولخّصها أحمد أمين دون إخلال،
ثم اتيح له أن يتبوأ مقعد الحكم، فقام بإصلاحات هي الاولى من نوعها
في تونس، وتاَمر عليه من حقدوا، وغالوا في الدسيسة، ولكئه رسم
قواعد الإصلاح، وحقق منها الكثير، وكان المؤلف صادقاً حين قال عنه
(1) زعماء الإصلاح، ص 59 1.
83

الصفحة 83