فقصارى احدهم أن يترك مجموعة مقالات، لا يتجاوز أربعة مجلدات،
أو خمسة، وليست المسألة مسألة كمّ فقط، فما أهون الكئم إذا قيس
بالكيف، ولكنها مسألة كم وكيف معاً.
وقد تحدث الأستاذ في مقدمة الجزء الأول من (فيض الخاطر) عن
منحاه المقالي، وذلك قبل أن تصدر مجلة (الثقافة) فقال:
"هذه مقالات نُشِرَ بعضُها في مجلهّ (الرسالة) وبعضُها في مجلة
(الهلال)، وبعضها لم ينشر في هذه ولا تلك، استحسنت أن اجمعها في
كتابِ، لا لأنها بدائع وروائع، ولا لأن الناس ألحّوا عليّ في جمعها،
فنزلتُ على حكمهم، وائتمرتُ بأمرهم، ولا لأنها ستفتجُ في الأدب فتحاً
جديداً، لا عهد للناس به، ولكنْ لأنّها قِطَعٌ من نفسي أحرصُ عليها
حرصي على الحياة، وأجتهدُ في تسجيلها إجابةً لغريزة حُمت البقاء، وهي
مجموعةًاولى منها مفرقة، وفي كتابٍ واحد أبين منها في أعداد، ثم لعلّي
أقعُ على قرّاء مزاجُهم من طبيعة مزاجي، وعقلياتهم من جنس عقلي،
يجدون فيها صورةً من نفوسهم، وضرباً من ضروب تفكيرهم، فيشعرون
بشيء من الفائدة في قراءتها، واللذة في مطالعتها، فيزيدني ذلك غبطةً،
ويملؤني سروراً، واصدقُ كاتب في نظري من احتفظ بشخصيته، وجعل
أفكاره وعواطفه تمتزجُ امتزاجاً تاماَ بأسلوبه، وخير أسلوب عندي ما أدى
اكثر معانيه وعواطفه في أقل ما يمكن، من غير عسر وغموض، وراعك
بجمال معانيه أكثر مما شغلك بزينة لفظه، وكان كالغانية تستغني بطبيعة
جمالها عن كثرة حُليّها، ولم يكن لي شرفُ إدراك هذه الغاية، ولكن كان
لي شرفُ السير في سبيلها".
وهذه مقدمة موجزة، ولكتها كانت صادقة كلّ الصدق، صادقةً من
94