قد دفع بعض الباحثين إلى عده عالماً لا أديباَ، وذلك إجحافٌ أفيُ إجحاف،
فللأستاذ في دنيا الأدب الخالص جهد طيب عرفه المصنفون فاحتفلوا به
معجبين، وقد قال الدكتور طه حسين في تحليله لكتاب (فيض الخاطر)
بعد ان أشار إلى هذ 5 المقدمة، ووقف عندها طويلاً (1):
" وأخرى في هذ 5 المقدمة، وهي مذهبهُ الفني، فهو من أصحهاب
المعاني لا من أصحهاب الألفاظ، وهو يؤثر الإيجاز، ويكرهُ ا لإطناب، وهو
يؤثر القصد، ويكر 5 الزينة، وكل هذا حسن، وكل هذا يُقبلُ من الاستاذ
حين يقوله، لأنه يقوله صادقاً فيه مؤمناً به، ولكن دع المقدمة، وامضِ في
قراءة الكتاب، فسترى فيه فصولاً تروعُ بألفاظها اكثر مما تروع بمعانيها،
وسترى فيه فصولاً تعجب بإطنابها أكثر مما تعجب بإيجازها، وسترى فيه
فصولاً تروق بزينتها أكثر مما تروق بإيثارها القصد، واكتفائها بلبسة
المتفضل، والأستاذ صادق مخلص حين كتب هذه الفصول، التي تروعُ
باللفظ لا بالمعنى، وتُعجبُ بالإطناب لا بالإيجاز، وتروق بالزينة لا
بالقصد، وهو مناقضٌ لنفسه في هذا المذهب الفني الذي صوّره، وقضى
به على نفسه، ولكنّه أديب، وليس على الأديب بأسٌ من هذا التناقض،
فهو لا يتناقض في لحظةٍ واحدة، ولكن ما يكتبه من الاثار يمثّل لحظات
مختلفة من حياته فيظهر مختلفاً متبايناً".
وتعليقاً على كلام الدكتور طه حسين، وهو مصيبٌ فيما قال،
أذكر أن المسألة مسألة نسبية، وأن الاديب يُحكم عليه بالطابع العام،
لا بالجزئيات المتعددة، وطابع الأستاذ هو الاحتفالُ بالمعنى، وذلك
لا يمنعُ النص على مقالاتٍ أدبية كُتبت بأسلوب الأدب الفني المطبوع،
(1)
فصول في الادب والنقد د (طه حسين)، ص 18.
96