العلمية، لأن الذي ينهض للبحث العلمي في كل زمان ومكان لا بد أ ن
يكون من طراز أحمد أمين، وهو طرازٌ يمثل الأقلية الرائدة، أما المجموعُ
فليست البحوث العلمية لديهم من السهولة بحيث يقرؤون المراجع،
ويحسنون المناهج، ويجيدون التعبير، ثم يكتبون البحث عن أصطلة،
فهناك عقباتٌ شداد، تبذل في سعة الاستيعاب، وحُسن الاستنباط،
وسلامة الخطوات، وصحة النتائج، وكم دون ذلك من اهوال.
ثم يقول ا لأستاذ: " وهناك نوع من المقا لات الادبية بالمعنى الخاص،
واعني بها الأدبية أدبأ إنشائيأ صِرْفأ، لا أدبَ بحثٍ ودرسٍ، وهذه أصعبُ
من الأولى، حيث إنها تتطلّب مع حسن الاستعداد المزاج الملائم، فليس
الكاتب في كل وقتٍ صالحأ لها، بل لا بد أن يكون مزاجهُ ملائماً للموضوع
الذي يريدُ أن يكتب فيه، فإن كان الموضوع مرحاً لا بد أن يكون مزاجُ
الكاتب مرحأ، وإن كان الموضوع حزينأ عابسأ فلا بدَّ أن يكونَ مزاج
الكاتب من هذا القبيل، ولذلك قد تمرّ على الكاتب الاديب أوقاتٌ وخلعُ
ضرسه أهونُ عليه من كتابة مقال، وهو إذا حاول ذلك فكأنما يمتح من
بئر، أو ينحت في صخر. ذلك لانّ المقالات الأدبية لا بدّ أن تنبع من
عاطفة فياضة وشعور قوي، فإذا لم يتوفر ذلك عند الكاتب خرجت المقالة
فاترةً باردةً لا يشعر فيها القارى بروح، ولا يحسنُ منها حرارة وقوة ".
هذا الانتظارُ لوقت الصفاء - ويسمّيه الأستاذ أحمد أمين - في بعض
مقالاته الحظات التجلي) وهو موضوع أثنى عليه أكثر من أديب ناقد،
ويكفي أن أوجه النظر إليه، هذا الانتظار جعل المقالات الأدبية الخالصة
في مجموعة (فيض الخاطر) بأجزائها العشرة، أقلّ من الموضوعات
العلمية، لأن الكاتب ألزم نفسه أن تكون له مقالة رئيسة في كل عدد من
أعداد الثقافة إ لا ما ندر، ولحظات الصفاء لا تُتاح أسبوعياً كما يودّ الأستاذ
98