كتاب إبراهيم السامرائي علامة العربية الكبير والباحث الحجة
وبحرارة الصدق والمودَات، ويلقاكَ بوجهه البشوش، وقلبه العامر بآيات
الحب، ومن أفضاله وفضائله أنه أهداني قصيدة اختار لها عنوان (من
ملحمة الرحيل) نشرتها مجلة (الضاد) الحلبية في عهد منشئها الشاعر
عبد الله يوركي حلاق. وما كنت أحق الناس بالإهداء، ولكنّها المروءات
الروحية التي تحفى بها، فأوحت إليه بأن يخصّني بهذه الخريدة الفريدة.
وصاحب الفضل لا يُسأل عن دوافعه وموجباته، لأنه إنما يستلهم منازع
قلبه ودفقات روحه.
وكانت للسامرائي في مجمع القاهرة جولات وصولات، سجّلتها
مضابطه. فهو يشارك في جميع مناقشات المجمع، ويرأس بعض جلساته،
ويحعيّ الأعضاء بقصائده، ويلقاهم جميعاً على شوقٍ عارِم، ولكانه يدرك
أن هذا اللقاء قد يكون لقاء وداع لا لقاء حفاوة واستقبال.
كان السامرائي - كما أشار إلى ذلك العلاونة بحق - من عشّاق
المكتبات، يغشاها اينما حلّ، وعندما اردتُ البحث عنه في طوابق مجمع
القاهرة المختلفة، قيل لي: ستجده في المكتبة، وقد كان، ولعفه لو خُيّر
بين عمل التدريس الجامعي وغيره من الوظائف لاختار ان يكون أمين
مكتبة، يتنفّس بين الكتب، وتجوس أنامله بين المخطوطات، وهو القابع
دائماً بين الكتب التي يسمّونها بالكتب الصفراء لتقادُم العهد بها، وبين
الكتب من مستحدثات الطباعة، ومن مؤلفات المجمعيين والجامعيين
والفقهاء.
ومع ان رجال العلم والأدب لا يحفلون بالسياسة كثيراً، ولا يهمهم
شيء من امرها، فإن السياسة - ودابها الوشاية - لا تترك العلماء في حالهم،
بل تلاحقهم بقوانينها الجائرة، ورِيَبِها المستطيل، حتى لا يجدون ملاذاً
14