كتاب محمد حسين هيكل الأديب السياسي المؤرخ ورائد الكتابة

في القديم والحديث مراجعٌ هامةٌ تتصدر بحث المؤرخين، مع أن بعض
كُتابها لم يرتفع في الأداء إلى مرتبة الجودة المنشودة، فكيف لا يكونُ
كتابٌ يخطّه هيكل عن رحلة إلى مهبط وحي رسول الله! ك! ي! مرجعاً تاريخياً؟
ولنفرض جدلاًانّ ما ذكره من احداث السيرة العاطرة معروفٌ
وذائع، فماذا تفول عن بحوثه الفياضة عن الحجاز في عهده الراهن؟ وعن
المسلمين في بقاع الأرض، وما أصابهم من جمود؟ وعن هجمات
الاستعمار وحيله الدنيئة في نشر الأراجيف، وإذاعة عوامل الفُرقة؟ وعن
النهضة الأخلاقية ووسيلتها في الرجوع إلى التراث الإسلاميئ الصحيح،
منار الاهتداء؟ وعن مقابلاته العديدة لكبار القوم من مُلوك وأمراء ورؤساء
ووزراء، ومادار بينهم وبينه من أحاديث الإصلاح، والعمل على الارتقاء!
أليس كل هذا تاريخاً سيقرؤُه الخلَفُ، فيكونُ مرجعاً من مراجع الإسلام
في العصر الحاضر.
الحقّ أن كتاب (في منزل الوحي) مرجع لسيرة النبي -لج! ر من ناحية،
ومرجغ لمعرفة أحوال العالم الإسلامي في النصف الأول من القرن
العشرين من ناحية ثانية، وقارئُه يستريحُ استراحةً تامة لما يُبديه الكاتب من
اراء، وإن اختلف معه في بعضٍ منها، لأن الاختلاف بمن ذوي الفكر أداةُ
نشاطٍ عمليئ يقومُ على البحث والمراجعة والتصويب، والمؤلفُ سعيدُ بما
يدورُ حول كتابه من الاختلاف، إذ هو دليل جودته وحويّته، وكم كتابٍ
لمؤلف شهير يمرُ مروراً هادئاً، فلا يكادُ يسمعُ عنه أحد، افيكونُ هذا
الصمتُ الأليم دليل التقدير وسرّ الإعجاب!! إنَّ النفد الهادف هو ميزان
التقدير والتبجيل، وقد اُلّفتْ في كتاب (في منزل الوحي) كُتُحث مستقلة،
بعضها ذو نقد خاطف. وبعضها عميق جليل، وهذا بعضُ حقه، لأنَ حقه
101

الصفحة 101