كتاب محمد حسين هيكل الأديب السياسي المؤرخ ورائد الكتابة

كُتبت في هذا المجال، كما يُفصح عن أدق الأسرار السياسية بين مصر
والحجاز في حقبة أليمة تأصّلتْ فيها دواعي الشقاق، وسعى المغرضون
بالتفرقة، فزادوا النار التهابأ، ولكن حكمة الملك عبد العزيز قد استطاعت
أن تخمد الحريق، بما وُهبَ من بصيرة نافذة، وإيمان مكين.
ومن اروع الصحف وابهاها نضارةً وإشراقأ ما كتبه المؤلف عن
مواقف التاريخ الحاسمة في حياة الرسول ع! ي!، حيث فاضتْ مشاعره
بأرقى ما ي! صور من اساليب البيان حين يغمره الخشوع القانت في مهابط
الجلال والسموّ، ف! ئه يكادُ ان يكون شاعراً ينطقُ بأعذب الألحان، وهل
الشعرُ في مراقيه العالية إلأ استجاشةً لفيوض العزة والكرامة من تاريخ نبيّ
رفع الإنسانية من أسفل الوهاد إلى اعلى الذروات؟.
ويضيقُ المقام عن الاستشهاد بهذه الروائع، ولكني أنقل صورةً
هادئةً تصوّرُ مشاعر الكاتب الكبير حيالَ (غار حراء) وهي صورةٌ لها أشبا"
كثيرة فيما كُتب بُعد عن أعلى المشاهد، وأرفع الذكريات، يقول الأستاذ
هيكل (1):
" ها هو ذا محمد جمي! يسيرُ وحيداً منفرداً، حاملاً من الزاد ما لا ينوء
رجل بحمله، يخترقُ طرق مكة من جنوبها إلى شمالها، حيث يقومُ هذا
الجبل، وها هو ذا سفحُ حراء يصعدُ إليه وسيما التفكير مرتسمةٌ على
قسماتِ محيّاه، وليس فيما حوله من أسباب الحياة ما يُرفّه عن تفكيره، أ و
ينئهه إلى جديد في الحياة، ويستمر في تصعيده، وزادُه معه حتى يبلغَ قمة
الجبل، هنالك يجدُ ماءَ المطرِ القليل قد اختزنته بعض أخاديد شعابه،
(1) في منزل الوحي، ص 227.
104

الصفحة 104